الخط : إستمع للمقال عندما استمعت إلى خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأخير، لم أكن بحاجة لكثير من التأمل لأدرك أن هذا الخطاب كان أشبه بصيحة يائسة من رجل يدرك أن نظامه ينهار. شعرت وكأنني أتابع مشهدًا متكررًا (لرئيس غير شرعي) يحاول الهروب من أزماته الداخلية عبر خلق أعداء وهميين، في حين أن المشاكل الحقيقية تحاصره من كل جهة. بدلًا من أن يقف أمام الجزائريين بشجاعة ليعترف بحجم المشكلات التي تخنق البلاد، اختار تبون أن يُحرف الأنظار، متجاهلًا كل ما يدور داخل الجزائر. لم يتحدث عن الأزمات الاقتصادية الخانقة التي دفعت ملايين الجزائريين إلى الفقر، ولم يقترب حتى من ذكر الاحتقان الاجتماعي الذي يزداد يومًا بعد يوم. والأكثر إحباطًا هو صمته عن التصدعات التي تعصف بالجيش الجزائري، هذا الجيش الذي أصبح مصدرًا للفضائح والانقسامات والنكسات. كان متوقعًا أن يتجنب الحديث عن الممارسات القمعية التي أصبحت جزءًا من يوميات الجزائر. الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات الظالمة، والقمع الممنهج للحراك الشعبي باتت السمة الأبرز للنظام. وبدلًا من البحث عن حلول حقيقية وإصلاح سياسي ينقذ بلاده من الأزمة، يبدو أن النظام يصر على أن العصا الغليظة كفيلة بإسكات أي صوت يطالب بالتغيير. ثم هناك الهروب الكلاسيكي إلى خطاب العداء الخارجي. كان واضحًا أن تبون يحاول استغلال مشاعر الجزائريين تجاه فرنسا والمغرب، في محاولة لإعادة إشعال كراهية قديمة تُبعد الأنظار عن فشل حكومته. لكن من الصعب أن يقتنع الشعب الجزائري اليوم بهذا الخطاب المتهالك. شباب الجزائر ليسوا مهتمين بالعودة إلى "بيجو" و"الاستعمار الفرنسي"، فهم مشغولون بمستقبلهم، بفرص عمل مفقودة، وبأحلام مهاجرة خلف البحر. أما هجومه على المغرب وتصريحاته عن "الحكم الذاتي" باعتباره فكرة فرنسية، فقد بدا كمحاولة أخرى للتملص من الواقع. الجميع يرى اليوم أن المغرب يمضي قدمًا في تعزيز مكانته الدولية، بينما الجزائر تتراجع بفعل سياسات نظامها. من الصعب على أي عاقل أن يتجاهل الفجوة بين التقدم المغربي والتخبط الجزائري. والأغرب في خطاب تبون كان حديثه عن "تصفية الاستعمار". أي استعمار هذا الذي يتحدث عنه بينما بلاده تعيش نوعًا آخر من الاستعمار الداخلي؟ نظام يقمع شعبه، يكبت حرياته، ويخنق تطلعاته نحو حياة أفضل، هو استعمار من نوع آخر. إن استمر تبون في مغامراته العبثية، فهو لا يغامر إلا بشعبه. لأن اي نظام هش سياسيًا واقتصاديًا ويتمسك بعقلية ماضوية، عفى عنها الزمن، لن يقود الجزائر إلا إلى المزيد من العزلة والمعاناة. ما رأيناه في خطاب تبون لم يكن إلا رقصة الديك المذبوح. كل كلمة قالها كانت تعبيرًا عن نظام يدرك أن أيامه معدودة، وأن الاحتجاجات الشعبية التي تتصاعد لن تهدأ قبل أن يتحقق التغيير. الجزائر اليوم بحاجة إلى رئيس منتخب يعبر عن إرادة الشعب وليس أهواء الجنرالات، رئيس يعترف بالمشكلات، يفتح أبواب الإصلاح، ويعيد بناء جسور الثقة مع شعبه. ما تحتاجه الجزائر ليس خطابات جوفاء، بل أفعال حقيقية تعيد للجزائريين الأمل في مستقبل أفضل والابتعاد عن سياسة "التنوعير" و"تحراميات" التي يتخبط فيها جنرالات الجزائر. الوسوم الجزائر المغرب فرنسا