الخط : إستمع للمقال انغمس عزيز غالي في وَحل الشعبوية، عندما حاول دسَّ السياسة في مربع الرياضة الأكثر شعبية بالمغرب. فقد وَجد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نفسه في مأزق لا يُحسد عليه، بعدما تورَّط في "استفزاز" شعب الكرة، وهو في الواقع بالملايين، من حيث كان يَظن واهما بأنه يُحاول استفزاز النظام والدولة عبر تدوينة سَمجة شاردة. ولأن الرجل لا يَقوى على تَحمُّل تبعات أرائه، والدفاع عنها في الواقع مثل المواقع، فقد رَكن للركوع للعاصفة، جُبنا وارتيابا وتأسِّيا برأس النعامة، وسارع بحذف تدوينته المستفزة للمغاربة. لكن ما الذي كتبه عزيز غالي عن المنتخب المغربي، ومقابلته الرياضية المُرتقبة ضد جنوب أفريقيا، حتى يتسبب في مَوجة عارمة من السَخط والاستهجان على الرجل وحزبه وجمعيته ورهطه؟ لقد وَصف عزيز غالي المنتخب المغربي بفريق "التطبيع"، وارتقى بمنتخب جنوب إفريقيا إلى فريق "المقاومة"، وعَرَض المُفاضلة بينهما على الجمهور المغربي!! أكثر من ذلك، وبعيدا عن مَدلولات التطبيع في القاموس الدبلوماسي، أمعن عزيز غالي في تقديم حكيمي وزياش وبوفال وبونو في صورة انطباعية وكأنهم جنود مارقين في كتيبة "جولاني" الإسرائيلية، بينما قدم وليد الركراكي في صورة انعكاسية لبنيامين نتانياهو! وفي المقابل، قدم عزيز غالي لاعبي المنتخب الجنوب إفريقي في صورة "المقاومين والمجاهدين"، مشبها إياهم بأبي عبيدة والسنوار وهنية وخالد مشعل وغيرهم من قادة حماس والجهاد الإسلامي. ولم يَكتف الرجل بإقحام السياسة عمدا في الرياضة فقط، واستدعاء الإيديولوجيا إلى ملاعب الكرة، في لعبة غير محسوبة العواقب، ومُنافية لقوانين كرة القدم، التي تَحظر استخدام الرياضة لتصريف رسائل سياسية. بل الأفظع من كل هذا، أن عزيز غالي اجتزء التطبيع من نطاقه الدبلوماسي ومعناه الحقيقي، وأقحمه في الممارسة الرياضية، بكثير من الفَهلوة والخُبث اللُّغوي، الذي لا يُخفي الركن المعنوي للرجل المتمثل في ازدراء المنتخب والشعب المغربي . فأن تَصف الفريق المنافس بأنه "فريق المقاومة"، مع ما يَعتمله هذا الوصف من حُمولة سياسية وشعبية ونضالية، فهذا تضليل وتدليس من جانب عزيز غالي، وهو بمفهوم المخالفة ازدراء وتحقير للمنتخب المغربي. وهنا نتساءل: ماذا فعلت جنوب افريقيا لفلسطين حتى يُنعت عزيز غالي فريقها الوطني بمنتخب "المقاومة"؟ إنه شيء واحد، يتمثل في الضجيج الإعلامي الذي صاحب دعوى محكمة العدل الدولية، التي يَعرف الجميع بأن قضاتها ليست لهم الصفة التقريرية لتنفيذ أحكامها. أما المغرب، فيتجاهل عزيز غالي عمدا ما قَدَّمه للقضية الفلسطينية! ويَكفي أن يَستحضر مبادرة توسيع عدد المستفيدين من المنحة الجامعية للطلبة الفلسطينيين التي كانت منذ أقل من أسبوع من اليوم. ويَكفي أن يَستحضر كذلك المشاريع التي مَوَّلتها لجنة القدس لفائدة الفلسطينين، والبنايات الرسمية والمنشآت التي شَيَّدها المغرب في الضفة الغربية وباقي القطاع. أظن أن عزيز غالي لا يَكترث بعطايا المغرب، وإنما يَتفنَّن فقط في "المعاطية" مع المغرب والمغاربة بأسلوب "طيابات الحمام"، مع احترامنا لهذه الفئة من المغربيات المُناضلات حقا من أجل لقمة العيش، وليس كما يَفعل الأدعياء اليوم ممّن يُزايدون على المغاربة في عشقهم لفريقهم الوطني. لكن للأسف الشديد، من فَرط نَزق عزيز غالي، أو ربما من فرط سذاجته، أنه تَوهَّم بأن الشعب المغربي سينساق مع هذه المفاضلة الغريبة، ظنّا منه بأن حب المغرب ومناصرة فريقه الوطني هي أشياء قابلة للمفاضلة والمفاصلة والمساومة، جاهلا أو متجاهلا بأنها أشياء وأمور لا تُشترى. والمؤسف أكثر، أن تدوينة عزيز غالي أخرجت بعض "المُتَوَاطِنِين" من جُحور حزب النهج، ممن يَسكنون الوطن ولا يَسكنهم في وِجدانهم، ممن تَجاسروا واعترفوا بأنهم يُناصرون جنوب إفريقيا مثلما ناصروا سلفا الجزائر! ولهؤلاء نقول: الله "يربحكم" بجنوب إفريقيا مثلما ربحكم الله سلفا بإخفاقات الجزائر المُتواترة.