الخط : نجحت إيران وحماس في استفزاز إسرائيل وجرها لحرب لا تبقي ولا تُدر، كما نجحا كذلك في استنهاض الشعوب العربية عبر التجييش الجارف، من خلال تقديم الكثير من القرابين البشرية على مذبح الفداء لصالح "المقاومة". فلا ريب في أن حماس كانت تدرك منذ البداية أنها لن تنجح في تحقيق تهديدات المذيع الأشهر في إذاعة "صوت العرب" أحمد سعيد عندما هدد إسرائيل بإلقائهم في البحر، كما أنها كانت متأكدة، ومن خلفها إيران، بأن إسرائيل سترد بقوة مفرطة انتصارا لصورة جيشها الذي طالما أسدلت عليه وسم "الجيش الذي لا يُهزم". فحماس عندما باغتت العمق الإسرائيلي، واقتحمت غلاف غزة إلى حدود الضفة الغربية، ونشر إعلامها العسكري صور التنكيل والتمثيل وسحل الجثث، كانت تراهن على إثخان جروح إسرائيل، وإنكاء ندوب فلسطين التي كادت تطيب بسبب اتفاقيات السلام الوشيكة مع السعودية، التي تعتبر رائدة الإسلام السني في منطقة الشرق الأوسط. وبقدر مراهنتها على تعميق الجرح الإسرائيلي وتكثير عدد الضحايا اليهود في غزوة "الطوفان"، كانت حماس تراهن كذلك على قوة الرد الإسرائيلي المعاكس وكثرة الضحايا الفلسطينيين! فكلما كان عدد الضحايا مرتفعا، وصور الجثث مستفزة ومفحمة، ستكون مغانم حماس وفيء إيران كبيرة! ونقول غنيمة حماس وفيء إيران، لأن الأولى تتصيد الغنائم بالقتال، أما نظام الملالي في إيران فهو من يجني المكاسب بغير قتال، لأنه هو من يخطط ويقدم العدة والعتاد، وهو من يوجه أصحاب العمم السوداء لإلقاء الخطب الهدامة في النجف وقم وشيراز وطهران وغيرها، لدفع الشعوب المحمولة بالعواطف إلى مهاجمة السفارات الأمريكية والغربية، والدخول في تدافعات جماهيرية غير محسوبة العواقب. وبالفعل، لقد نجحت حماس في إحياء تعاطف الشارع العربي معها، من بوابة جثث الأطفال الفلسطينيين، رغم اختلافاتها الأيديولوجية الصارخة مع كثير من المجتمعات العربية، كما تمكنت كذلك من تقويض السلام في منطقة الشرق الأوسط وإرجاعه إلى نقطة الصفر، أي إلى مرحلة ما قبل الانتفاضة الثانية للأقصى. والمثير أن حماس ظلّت، طيلة الأيام الفارطة، تحافظ على نسق متزايد من التصعيد، تارة بالبيانات وتارة بالرشقات الصاروخية، وقد وجدت في تعطش نتانياهو وحكومته اليمينية للانتقام ضالتها، خصوصا بعد قصف مستشفى المعمادية الذي خلف مئات الضحايا. وقتها خرج هنية ومشعل من محرابهما، من خارج غزة طبعا، ليستثمروا في صور الضحايا ورفات الأطفال وأشلاء النساء الثكلى، صادحين في الشعوب العربية عبر قناة الجزيرة "أن حي على الجهاد حي على الفلاح"! فقادة حماس يريدونها حربا أهلية، لأنهم لم يخاطبوا الحكومات والأنظمة السياسية، وإنما خاطبوا مشاعر الشعوب الفياضة التي تهيم حقا بحب فلسطين. أكثر من ذلك، انبرى قادة حماس يطالبون بتطويق وطرد التمثيليات الاسرائيلية في الدول العربية، ووقف مسلسل التطبيع، ووجدت دعواتهم هذه صداها في كل من الأردن وتركيا والعراق ولبنان وليبيا واليمن وغيرها، حيث هرع المحتجون يضرمون النيران في محيط السفارات الأمريكية بعدد من العواصم العربية. وفي خضم هذه الحلحلة الكبيرة، ظفرت حماس بغنيمة كبيرة تتمثل في إحياء قضيتها، التي كادت تفقدها بعدما سدت في وجهها كل الطرق والمسارب، كما ظفرت إيران بتحييد السعودية من مسلسل السلام مع إسرائيل، وجر المنطقة لحرب بلا هوادة انجرت إليها إسرائيل الطامحة للانتقام بدون قيود. وبعيدا عن المقاصد المرئية لهذا الصراع، نفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نفسه صورة "مجرم الحرب" التي اقترنت به في عيون الغرب، وسلمها لنتانياهو في أعين العرب، بعدما ظهر مواريا بأنه يبحث عن حل الصراع بعدما كان هو سبب الحرب في الجبهة الأوكرانية. لهذا نقول: لقد نجحت حماس وإيران في مخططهما المتعدي القصد، وسقطت معهما إسرائيل في فخ الانتقام من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء. وعلى الشعوب العربية أن تعي جيدا بأن تكلفة السلام غالية، لكن تكلفة الحرب هي أغلى وأثقل، خصوصا في ظل مراهنة حماس على الدعوات الشعبوية المؤججة للاحتقان في الشوارع العربية الآمنة. الوسوم الشعوب حماس غزة فلسطين