تفاعل الصحفي عبد الحميد جماهري، مع التطورات العسكرية والسياسية التي تعرفها روسيا خلال الأيام الأخيرة، بعد تمرد قوات "فاغنر" شبه العسكرية الخاصة، ضد موسكو التي ما تزال في حالة حرب مع أوكرانيا. وجاء ذلك، ضمن عمود "كسر الخاطر" لعدد اليوم الثلاثاء من جريدة الاتحاد الاشتراكي، بعنوان "الثنائي بريغوجين بوتين، جزائر تبون والمغرب الكبير.."، حيث كتب فيه مدير نشر هذه اليومية عبد الحميد جماهري ما يلي: "لعل أعتى الطعنات هي تلك التي تأتي من المقربين، وأنت في ساحة المعركة، ولا تعرف بالضبط هل تولي وجهك إلى الخلف، وتحمي ظهرك، أم تتقدم إلى الأمام لمواجهة الخصم؟ وهذا الشعور الذي أخرج فلاديمير بوتين عن تحفظه المعتاد وجعله يصف حركة «فاغنر» وايفغيني بريغوجين بالطعن في الظهر والخيانة، سيكون له غده ولا شك. والأساسي في العملية هو ارتهانه إلى مزاج طباخه السابق، والذي يواجه به الجيوبوليتيك في العالم، عبر القوات التي تتولى المناولة باسمه في القارة السمراء كما في أوروبا وأمريكا اللاتينية. بالنسبة لقارتنا، لا شك أن الذي وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بلاعب الروليت الروسي كان على حق ! فقد غامر الساكن في قصر المرادية بتسليم زمام حرية بلاده واستقلالها إلى فلاديمير بوتين، في تصريح علني ورسمي، كان فيه أمام سيد الكرملين الذي سماه بصديق الإنسانية... بوتين، سيخرج بفهم آخر لوجوده في القارة، الذي يُدينُ فيه إلى رفاق طباخه السابق والأوليغارشي الجديد في موسكو، والذي استطاع أن يصل إلى تخوم العاصمة بسهولة أثارت الذهول. في ليبيا كما في جمهورية إفريقيا الوسطي ومالي، توجد هذه القوات المحسوبة على فلاديمير بوتين، في وضعية الجيش شبه النظامي لأن موسكو تضمن تغطيتها المؤسساتية. وكان لافتا أن أفراد الميليشيا التي تضم 25 ألف عنصر حسب رئيسها ومؤسسها، لم تستجب للدعوات الصادرة من قمة الهرم الروسي بالثورة على المؤسس، ولا استجابت لنداءات القيادة العسكرية بالانقلاب عليه، وهو عنصر مهم للغاية في تحليل ما سيلي من بعد.. وهو ما يهز صورة سيد الكرملين ويجعله هشا أمام سيد الفاغنر. والرئيس الجزائري الذي وضع أمراس كتان، كما قال الشاعر، حول عنقه، سيجد رئيسا روسيا مسكونا بهاجسين كبيرين: هاجس الحرب الواضحة وهاجس الحرب الداخلية التي بدأت ولن تنتهي بينه وبين زعيم المليشيا. ثانيا: لا يبدو الرئيس مالكا لكل عناصر تحليل وضعية روسيا، في الحرب وبدونها، ولعل الذي سيطرح عليه وعلى من وضعوه هو عدم معرفته بطبيعة العلاقة بين العقل المدبر للكرملين ودوره في القارة، لا سيما وأنه كان قد صرح أثناء لقائه بوتين أنهما على وفاق تام بخصوص الوضعية في ليبيا وفي مالي، بالتحديد حيث الوجود الروسي هناك واضح وعملي، ولا شك أن إعادة النظر في العلاقة بين روسيا وميليشيات «فاغنر» ، التي كادت أن تفتح جبهة ضد الجيش الأحمر من داخل البلاد، سيكون لها أثرها في القارة السمراء، ولا يمكن أن نفكر بأن روسيا سترسل قواتها النظامية إلى القارة ولكن رهانها العالمي على المرتزقة سيقل ولا شك أو على الأقل سيتم تأطيره بشكل مخالف عما سبق.. الجزائر وضعت روسيا في قلب القارة، والمغرب الكبير، كما أن «فاغنر» من جهتها أعادت كتابة سرديات سياسية كثيرة في المنطقة المتاخمة للمغرب الكبير (الصحراء والساحل) والجناح العسكري لنظام بوتين مكون بالأساس من الروسيين، الذين تلقوا التكوين والدعم من المؤسسة الروسية.. وهم كانوا يدفعون باتجاه أن يكون للمليشيات الروسية حضور في المغرب عبر الانفصال وتأطير الانفصاليين.. والجزائر التي رعتهم كما رعتهم إيران، (التجربة السورية شاهدة على التنسيق والتواطؤ) ستحسر، ولا شك، من علاقة التوتر بين «فاغنر» والكرملين.. والفوضى كانت حلا من الحلول التي افترضتها نخبة العسكر في العلاقة مع المغرب، وهو ما عبر عنه تبون نفسه في حواره مع الجزيرة كما نذكر. « فاغنر» هي أيضا المرآة المعكوسة للوجود الفرنسي، حيث سبق أن سعت فرنسا إلى وضعها ضمن لائحة المنشآت الإرهابية، ولعل هذا الواقع الجديد سيجعل فرنسا تحاول من جديد استعادة الجزائر، أو على الأقل الرئيس الذي سبق أن وصفه ماكرون بأنه رهينة العسكر .. عصا الرحى المسلحة التي كانت بيد بوتين ستفقد الكثير من انسجامها مع روسيا النظامية، وذلك سيؤثر ولا شك على المناطق التي توجد فيها، ضمن استراتيجية واضحة لروسيا.. هل يقبل بوتين أن يظل رهينة بريغوجين، الذي كان يده اليمنى في توازنات الوجود الروسي الدولي ؟ لا أحد يعتقد بذلك.. ولعل القادم هو مواجهات أعنف مما سبق.. وفي النهاية سيجد تبون نفسه وحيدا، مثل كل المحميين الآخرين ....".