على مر العصور، كان شهر رمضان الكريم فرصة لازدهار عدد من المهن والحرف التي ترتبط بعادات وتقاليد المغاربة، من بينها صناعة "البلغة" سواء الفاسية أو الزيوانية كما تعرف وسط الصناع التقليديين بالمدينة العتيقة بفاس، التي كانت تعرف إقبالا منقطع النظير خلال أيام الشهر الفضيل وعند اقتراب موعد الاحتفال بعيد الفطر. وكانت مهنة صناعة "البلغة" تتصدر، إلى جانب مهن تقليدية أخرى واجهة النشاط التجاري والحرفي خلال شهر رمضان، خصوصاً مع سعي الناس، خلال هذا الشهر، إلى إحياء عادات قديمة في اللباس، إلا أن هذا السعي بدأ يتراجع شيئا فشيئا مع تناسل موجات الموضة وظهور بدائل أخرى "للبلغة" الفاسية التي كانت لا بديل لها في اللباس التقليدي المغربي. بمقدمتها الحادة ولونها الأصفر الذهبي الذي تتميز به، كانت البلغة "الفاسية" رمزا للأناقة ولا تكتمل إطلالة العيد وليالي رمضان إلا بها، قبل أن يجور عليها الزمان، وتصبح من الماضي في ظل ظهور أنواع جديدة من النعال أصبحت تتصدر إطلالات المغاربة. تراجع الإقبال على البلغة الفاسية كان واضحا في محلات بيع الألبسة التقليدية، وكذا في ورشات صناعتها التي عمها الهدوء بعدما كانت في وقت سابق رمزا للحركية والصخب خاصة خلال شهر رمضان. واقع صناعة "البلغة" الفاسية وتراجع الإقبال عليها لخصه عمي إدريس وهو صانع تقليدي امتهن هذه الحرفة لما يقارب الثلاثة عقود، حين قال "شحال هادي تجي عندي فرمضان تسولني غير شحال ساعة منجوبكش، كنت ملي كندخل لحانوت مكنخرج تا المغرب" . وأضاف عمي ادريس، أنه كان له ثلاثة معاونين ولم يكونوا يفلحون في تلبية طلبيات الزبائن، خلال شهر رمضان، قبل أن ينقلب حال حرفته وتظهر علامة أفولها في الأفق، لعوامل أجملها عمي ادريس في المنافسة الصينية وظهور صيحات جديدة من النعال، وتراجع الإقبال على ارتداء الملابس التقليدية من طرف شباب اليوم.