بني ملال : الرحلة الأخيرة لأم " تودة" في ربوة مرتفعة تطل على دوار سابك وقف عشرون شخصا لمواراة جثمان امرأة التراب ،كانت أشعة الشمس والخضرة والصمت المحيط بالمكان بعيدا عن الضوضاء يستقبل الغريبة بعيدا عن مقبرة أهلها وضمت بناتها الثلاث، كان بجانب قبرها قبر لغريب يناديها : أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب أم "تودة" الرضيعة ذات ال20 يوما تركت الدنيا في رحلتها الأخيرة،رغم كل المجهود المضني الذي بذله متطوعو ساكنة آيت عبدي لإنقاذ حياة عائشة الزاهير ،عندما تطوع 100 رجل من آيت عبدي لحفر مسلك وسط الثلوج بآيت عبدي للخروج بعائشة وإنزالها للمستشفى ،لم يكونوا يعتقدون أنها ستموت في غرفة الإنعاش بمستشفى بين ملال الجمعة الماضي ،كما لم يعتقد أهلها الذين منحوا لسائق سيارة أجرة 750 درهم لمسافة 60 كيلومتر للوصول بها إلى أول سيارة اسعاف ،رابط احماد ومحماد الزاهير شقيقي عائشة وباسو الجمالي والد زوجها ومرافقيهم الحسين بوسليخن وعائشة الصابري أمام قسم العناية المركزة بالمستشفى الجهوي ببني ملال سبعة أيام بلياليها ينتظرون أن تتماثل عائشة للشفاء،كانوا يلبون طلبات الأطباء بإجراء تحاليل طبية مختلفة ،أملا أن تساهم في حل لغز مرض عائشة المستعصي ، لايهمهم أن الأموال القليلة التي كانت معهم لاتكفي ،لم ينتبهوا لمأكلهم وملبسهم ومبيتهم كان يهمهم فقط أن تشفى عائشة وتعود لارضاع "تودة " وضم فاطمة وفتيحة ،لم يكونوا يعلمون أن عائشة تعاني من تعفن كامل بعد الذي عانته بأعالي الجبال في غياب أي عناية طبية ،وأمام الظروف الطبيعية القاسية التي كانت سيدة تنجب فيها بوسائل بدائية في مغرب القرن الواحد والعشرون . باسو الجمالي والد زوجها الذي وصل لأول مرة لبني ملال يؤكد أنه لم يشهد مثل تلك الكمية من الثلوج التي تساقطت على آيت عبدي منذ أزيد من 50 سنة ، يردد بقلب مستسلم لقضاء الله الحمد لله ، في حين يتكفل احماد الزاهير شقيق المرحومة عائشة بالرد على المكالمات القليلة التي ترد من واويزغت للتعازي من أقارب لهم ،كما يتكفل بالاتصال للاطمئنان على مصير الرضيعة اليتيمة "تودة" . عائشة التي حلت ضيفة على قسم العناية المركزة بالمستشفى الجهوي ببني ملال بالسرير رقم 8 ، كانت تعاني تعفن كبير في الرحم نتيجة ظروف إنجابها وتطوع نساء "ماسكو" لتقديم أدوية شعبية يعتقدن عن جهل أنها دواء لحالتها في حين كن يساهمن من حيث لا يدرين في مضاعفة آلامها،عائشة كانت تصاب بهلوسة وغيبوبة نتيجة النقص الحاد في التغذية وفي المواد العضوية و الإصابة بالقصور الكلوي ....آلام عديدة تحملتها أم الرضيعة "تودة " والصغيرتين "فاطمة" أربع سنوات،و"فاتحة" سنتين أملا في ان تعود إلى فلذات كبدها سالمة لكن قدر الموت كان سابقا باعثا رسالة إدانة لكل المسؤولين عن أوضاع ساكنة آيت عبدي . محماد الجمالي زوج عائشة بقي ب" ماسكو يرعى طفلتيه الصغيرتين فاتحة وفاطمة ،ولم يتمكن من أن يحضر الوداع الأخير لأم بناته ،كما لم تتمكن والدة عائشة من حضور دفن ابنتها بدوار سابك بعيد عن آيت عبدي بأزيد من 200 كيلومتر ،كما لم تتمكن المولودة "تودة" من أن ترتشف قطرات حليب كافية من أمها التي رحلت عن سن 26 سنة تاركة لنا حكاية رحلة غير عادية لامرأة نفساء في مسيرة ثلاثة أيام وسط الثلوج محملة فوق نعش الموتى أصبح اسمها مجرد رقم في ضحايا الثلوج بآيت عبدي في مغرب الحداثة وحقوق المرأة، وعلى بعد أسبوعين من اليوم العالمي للمرأة .