على إثر الضجة التي أثيرت حول نشر شريط لقائد أم البخت التابعة لعمالة إقليمبني ملال، عبر مجموعة من البوابات الإلكترونية وتبعتها في ذلك مقالات على أعمدة العديد من الصحف الوطنية والجهوية، والتي تبنت كلها طرحا لا يخلو من الغرابة والتحامل والنظرة الأحادية للموضوع وما قد يحيط به من خبايا. الأمر الذي جعلنا نرصد كل ما تردد ويتردد بنوع من التحفظ والاحتياط ، على اعتبار أن القضية وما تفرع عنها لازالت معروضة على القضاء بمدينة مكناس، مما جعلنا نرسم خطة واستراتيجية لعمل صحافي مسؤول هاجسه المصداقية والموضوعية ، ومن منطلق مبدإ أن كل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته. وكانت مجموعة من الأولويات تفرض نفسها، بغض النظر عن طرفي النزاع. فكان من الضروري الانتقال في مرحلة أولى إلى قيادة أسرير التابعة لعمالة كلميم، للتحري حول من يكون هذا الشخص الذي انتقل من أسرير إلى أم البخت؟ ويهمنا معرفة بعض الأمور المتعلقة به والمرتبطة بكفاءته وأخلاقه وسلوكاته. والتقينا مجموعة من الأعيان والشيوخ الذين كان حديثهم عن القائد كأنه أحد أبنائهم،ويحتفظون بأسى واضح مرتبط بانتقاله من بينهم، وأوصونا خيرا به لدرجة أن بعضهم اتصلوا به هاتفيا وسألوه عن أحواله وأحوال والده الفقيه، وتبادلوا معه الوعود بالزيارة والدعاء له بالخير والتوفيق، كما عرضوا علينا شريط الحفل الذي أقاموه لتوديعه خارج كل الرسميات. وعلى الجانب الآخر التقينا بعدد من الفاعلين الجمعويين، والذين كانت نظرتهم ومواقفهم لا تقل شراسة عن كل ما أثير حول القائد، بعد نشر الشريط على الأنترنت. فكانت نقاشات تكتسي طابع الحدة في بعض الأحيان حول كل ما نشر في حق القائد وما يتردد حول سلوكاته. إلا أننا كنا نلتقي في شيء واحد هو الأساس القانوني لكل الأحداث والوقائع المرتبطة بالقضية في مجملها. فكان أن لجأنا إلى ترتيب كرونولوجي لتلك الأحداث والوقائع وما رافقها من نقاش. فكانت النتيجة أن كل ما وقع، حدث مباشرة بعد ظهور بوادر تصدع بيت زوجية القائد، واشتد حدة بعد تسجيل دعوى الطلاق من طرف الزوج/ القائد أمام قسم قضاء الأسرة بمكناس. ثم ليكتسي طابعا كيديا مفضوحا وظاهرا لكل متفرس لمعرفة الحقيقة، بعد وقوع الطلاق. فكان من اللازم والضروري في مرحلة ثانية، الانتقال إلى مكناس وإلى قسم قضاء الأسرة بها. فتأكد فعلا صدور حكم الإذن بإيقاع الطلاق وتحديد مستحقات الزوجة/ المطلقة، دون واجبات الطفلة إلى حين البث في قضية تبرإ القائد من أبوتها. وهي القضية التي هزت أرجاء مكناس وكل المتتبعين بعد ثبوت الزور واستعماله في حق الزوجة/ المطلقة من أجل إثبات الولادة وأبوة القائد للمولودة. وبعد مساطر الضبط والتقديم، أحيل المتورطون ( الزوجة / المطلقة ووالدتها وتسعة موظفين بينهم طبيب) في حالة اعتقال من طرف النيابة العامة باستئنافية مكناس على قاضي التحقيق بها، والذي قرر تمتيع الجميع بالسراح المؤقت بضمان السكنى وكفالة عشرة آلاف درهم للواحد. وكان هذا القرار بمثابة نافذة أخرى على حقيقة ومجريات الأحداث، إذ ضمن قاضي التحقيق قراره بقرار آخر يقضي بعرض الأب المفترض والأم والطفلة على الخبرة الجينية ADN بمختبرات الدرك الملكي. فسارع الأب المفترض إلى الخضوع لهذه الخبرة وأخذ النماذج التي تحتاجها من جسمه، إلا أن الأم وبعد عدة استدعاءات لم تظهر واختفى أثرها وأثر البنت المفترضة. واستأنف دفاع القائد قرار قاضي التحقيق المتعلق بالسراح المؤقت والذي تم إلغاؤه من طرف الغرفة الثانية باستئنافية مكناس دائما. لتبدأ سلسلة البحث عن الأم المفترضة والطفلة المفترضة بعنوان السكنى بمكناس، لتظهر فضيحة أخرى مفادها أن العنوان الذي أدلت به الأم المفترضة للشرطة والنيابة العامة وأكدته أمام قاضي التحقيق، لم يسبق لها أن أقامت به ليفتح تحقيق حول شهادة السكنى التي قدمتها الأم المفترضة للشرطة... وبعد إلغاء قرار قاضي التحقيق والبحث عن الأم وطفلتها المفترضتين لخضوعهما للتحليل الجيني، واختفائها أو اختفائهما لأن الأمر أصبح يطرح سؤالا حول صحة ولادة الزوجة السابقة للقائد ووجود طفلة من عدمه. الأمر الذي فرض علينا في مرحلة ثالثة الانتقال إلى المستشفى الذي تدعي الزوجة السابقة للقائد أنها وضعت حملها فيه، لنكتشف كارثة التزوير الذي أتته بشكل صارخ ومفضوح. فقد كان أن أدلت الأم المفترضة بشهادة إعلان بازدياد AVIS DE NAISSANCE تحت رقم 1184 باسمها الشخصي الذي تمت إضافته على الشهادة بعد إخفاء الإسم الحقيقي لصاحبة الشهادة الحقيقية بواسطة المداد الأبيض BLANCO، وبخط مغاير تماما للخط الذي تمت تعبئة الشهادة الأصلية به، وإنزال أختام المستشفى فوق الإسم المضاف للشهادة كما وأن الأمر لا يعدو أن يكون سوى تصحيحا لخطإ. ويزداد عمى البصيرة بكون الشهادة تمت تعبئتها من طرف طبيب وختمها وتوقيعها من طرف طبيبة بمستشفى آخر. وبعد البحث في سجلات مستشفى الوضع تبين أن الرقم 1184 خاص بسيدة أخرى من خارج مكناس، وبعد التدقيق في السجلات تأكد أن الزوجة السابقة للقائد لم تلج ولم يسبق لها أن ولجت ولأي سبب كان، المستشفى الذي صدرت عنه شهادة إعلان بازدياد المزورة. وبعد التحري حول شواهد إثبات الحمل وتتبعه منذ بدايته إلى حين الوضع، اتضح أن صاحبة الشهادتين المدلى بهما كانت ترفض الإدلاء بتعريفها وتكتفي فقط بالتصريح باسمها. أما ما نتج عن شهادة إعلان بازدياد المزورة، فقد اقتضى منا زيارة الملحقة الإدارية التي تم بها تسجيل الازدياد، ولم نتمكن من لقاء المستشار الجماعي المشرف بالملحقة والذي رفض ذلك، واكتفينا بتصريحات بعض العاملين والتي أدلوا لنا بها بمقهى مجاور للملحقة وأكدت جميعها عملية التزوير، مبدين في نفس الوقت أسفهم لما وقع لزملائهم، ومؤكدين أن الأمر تم بناء على حسن النية ما دامت صاحبة المنفعة مما جرى أكدت أنها زوجة قائد، ولولا الحالة لما تسلمت عقد ازدياد المولودة بتاريخ قبل تسجيل الازدياد بسجل الولادات. كل هذا موازاة مع تحركات للزوجة الطليقة تبدو منطقية في شكلها وموضوعها، إلا أنها تثير الكثير من علامات الاستفهام حول صدقها ومصداقيتها وخلفيات اللجوء إليها. فكان أن وجهت رسالة تظلمية إلى وزير الداخلية تحمل الكثير من التمويه بصفتها مغتصبة من طرف القائد، وباسم وعنوان ينمان عن المغالطة والكيد. وقدمت نفس مضمون الرسالة إلى كتابة الوكيل العام ببني ملال،على حد ادعائها، إلا أنها أعيدت لها لعدم كفاية البيانات الخاصة بالمشتكية والمتعلقة بالاسم الكامل والعنوان المضبوط ورقم البطاقة الوطنية. وكان أن اهتز الرأي العام على وقع فضيحة اغتصاب القائد لقاصر، وأنها هي التي صورته بهاتفها ونشرت الشريط على الأنترنت. في حين أن الواقع غير ذلك. فالشريط بالحجة والدليل من إنتاج واحتيال وإخراج مطلقة القائد ومن معها. وكانت تبريراتها، أي القاصر المغتصبة، لإخفاء هويتها أن أخاها ضابط شرطة ببني ملال ولا تريد له الفضيحة أو الشوهة التي تبحث عنها للقائد. لتشعل فتيلا إعلاميا حول حكاية وهمية لقائد جعلته يحمل كل الصفات والأوصاف القبيحة، وتنشر عنه من خلال مصادرها بوزارة الداخلية، على حد تعبيرها، قرارات أحيانا بالعزل وأخرى بالتوقيف، وبسجنه أحيانا أخرى. وكانت آخر محطة في تحقيقنا هذا، الاتصال بدفاع الأطراف، في محاولة تكميلية لاستيضاح أكثر فيما يخص الجوانب القانونية الخاصة بالقضية. ولم نتمكن للأسف ونؤكدها للأسف، من اللقاء بدفاع أحد الأطراف لأسباب قيل بأنها مهنية. بينما أكد لنا الطرف الثاني للدفاع أن القضية كان يمكن أن تتحول إلى قضية رأي عام، لكن بعد ثبوت التزوير في حق مطلقة القائد وعلى مستويات متعددة، أصبحت القضية جرمية ذات أبعاد خطيرة، ولم تعد محصورة في نزاع بين زوج ومطلقته بل تم توريط مجموعة من الموظفين والأطر فيه، سواء بسوء نية أو غيره. ومكننا مشكورا من نسخ لمجموعة من الوثائق التي ترتبط في نوعيتها ومضامينها بعدد من المحطات التي عرفتها حكاية القائد الذي طلق زوجته التي عمدت إلى الزور واستعملته ضده، ليصبح أبا ومغتصبا للوهم. واختتمنا عملنا هذا بالاتصال بالقائد في محاولة للقائه، إلا أنه أجابنا بما يلي : " كان يمكن في وقت معين أن ألاقيكم وأوضح لكم وأجيب عن أسئلتكم ، إلا أنه الآن لم يعد ذلك ممكنا ولم تبق لي رغبة فيه. فلا رأي لي فيما هو معروض على القضاء، ولا رأي لي أو تعليق على ما تنشره الصحافة ". بعد كل هذا، نؤكد أن الانطلاقة كانت برغبة إثبات جرمية أو على الأقل جنحية القائد في حق زوجته سابقا التي تحولت إلى قاصر مغتصبة بعد أم وهمية، وهاتف ترد بصوتها على طالبيه بكونها جمعوية لحماية القاصرات، ضمن جمعية بحي أكدال بالرباط طولا وعرضا دون تحديد عنوان مدقق، مثل عنوان شكاية وزير الداخلية والوكيل العام ببني ملال. وكم عانينا في البحث وبجميع الوسائل عن مقر الجمعية من دون جدوى.وسعينا بكل الضمانات للقاء بالجمعية والمغتصبة في حضنها، وعلى عهدتنا الوصول بقضيتها إلى أقصى ما يمكن، فكان التملص المفضوح لصاحبة نفس الصوت الذي يرد عبر هاتف الزوجة السابقة للقائد. وبعد صدور قرار الغرفة الثانية باستئنافية مكناس، وتجميع كل البيانات والمعطيات، أصدرت السلطات القضائية بمكناس مذكرة بحث على الصعيد الوطني عن زوجة القائد السابقة، بعد ثبوت الزور في حقها واستعماله لتضليل العدالة. وختاما، يبقى هناك غموض جوهري ومحوري يحمل في ثناياه، سر ما عرفته حكاية قائد أم البخت من تضارب وتناقض، وكيف استطاعت الأوهام أن تجتاح الحقائق في محطات عديدة من هذا المسلسل الذي يظهر أن زوجة القائد السابقة تتابع بتركيز خاص المسلسلات التركية والمكسيكية، وأصبحت كاتبة سيناريو من الطراز العالي والمتميز، لكنها الآن أمام حلقة أخيرة ينبغي عليها أن تحل فيها العقدة التي وضعت فيها نفسها في حكايتها مع القائد. د. عبد الله عزي صحافي وباحث في القانون