انتظم سقوط المطر ببلادنا خلال الأسابيع الأخيرة،بعد طول انتظارها من لدن الفلاحين كأكبر شريحة اجتماعية يرتبط مصيرها بماء السماء ليكون الموسم الفلاحي في المستوى الذي يمكنهم من تنفس الصعداء اتقاء لشر جفاف ما أقبح أن يتزامن و الأزمة الاقتصادية العالمية في الآونة الأخيرة. وهكذا جادت السماء بالأمطار تلبية من الباري عز وجل لأكف التضرع التي ما فتئت ترفع إليه نهاية كل صلاة وبدونها، من قبل الجميع بان يسقينا الغيث وان يرحم عباده وبهيمته وألا يجعلنا من القانطين. وبالقدر الذي باتت فيه هذه الأمطار تؤرق بال المسؤولين عن تسيير الشؤون المحلية للمواطنين سواء بالبوادي أو حواضر المملكة بحيث ما إن تبدو في الأفق أولى قطرات الغيث حتى يتوجس المسؤولون خشية ألا تعري هذه التساقطات عورات البنى التحتية لطرقنا وشوارعنا ولتصاميم عمراننا وهشاشة هذه الأخيرة وعدم صمودها أمام الأمطار الغزيرة المصحوبة برياح لا تشتهيها سفن هؤلاء المسؤولين، بالقدر الذي تدخل البهجة في نفوس المعنيين بها كما أسلفنا رغم ما يصاحبها من خسائر أحيانا. ومن ضمنهم مواطنو دواري ايت ايشو وايت الطالب التابعين لايت ايعزم، حيث غمرت الفرحة صفوف الشباب والشيوخ بعد أن انفجرت عين من قلب البئر الذي حفرته الجمعية منذ سنوات لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب،حيث أضحت المياه جارية على سطح الأرض مما جعل كبار السن من الساكنة المحلية يعزفون وتر الزمن الجميل من العقود الفائتة على مسامع أطفالهم الصغار،حيث بفضل مياه العين ازدهرت يومئذ المنطقة المعروفة بتيبحارين بمختلف أصناف الأشجار من التين ودوالي العنب...وكان تلاميذ المدرسة إبانها يمتطون صهوة شقائهم فيعمدون لتحريف مجرى الساقية صوب الحفرة الضخمة المعروفة ب " انو نيسمخ " ويخلقون منها مسبحا بلديا في عز الشتاء ضدا على إرادة الطبيعة،ولنفض البرد الذي يلفح أجسادهم البريئة غالبا ما يتسابقون دفعة واحدة حول من يصعد أولا إلى أعلى شجرة الاجاص العملاقة المنتصبة قرب مسبحهم،هذه الأخيرة التي كانت تشكل أخر ما تبقى من ذلك الإرث البيئي تم اقتلاعها قبل سنتين من لدن احد المتخصصين في الإتيان على الأخضر واليابس من أشجار اللوز والزيتون...لتبقى النخلة الشامخة قرب المدرسة الشاهدة الوحيدة على أن كوكتيلا من مختلف الأشجار مر يوما هنا،رغم تعرضها هي الأخرى لمحاولة إحراق جبانة فاشلة من طرف مجهول أسوة بما أقدم عليه احد رجال التعليم عندما أضرم النار في نخلة وأشجار العرعار المنبعثة من قبر احد الأولياء جوار المدرسة. ولعل ما أثار انتباه المواطنين أكثر هو أن العين التي تتدفق ماء بشكل مؤقت من مارس كل سنة، بكرت هذه السنة منذ أواخر يناير ومرد ذلك إلى انتظام التساقطات المطرية التي شهدتها المنطقة بشكل مسترسل مما يجعلها فأل خير وأولى تباشير موسم فلاحي جيد بمشيئة الله. وجدير ذكره أيضا أن هذه البئر سبق لها السنة الماضية أن جادت قريحتها بالمزيد من المياه حتى يخيل للمرء انه أمام نافورة طبيعية علما أنها توجد على مرمى حجر من العين المسماة " افردو" المنبعثة بدورها من وسط حجرة ضخمة تكريسا لمقولته تعالى في الآية 74 من سورة البقرة: " ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون". كما ارتفع منسوب الماء بالآبار المجاورة وبالخصوص بئر ايت الشعيني التي ظلت منذ بداية الثمانينات المزود الرئيس بالمادة الحيوية ليس لدواري waggaz وايت الطالب فحسب بل لعدة دواوير من ايت ايعزم وكذا دواوير ايت بوكرام التابعة أصلا لجماعة مولاي عيسى بن إدريس،وذلك متى اشتد حر الصيف وانخفض منسوب المياه بمختلف الآبار. إلا انه أمام العديد من الظواهر كالانحباس الحراري الذي جعل درجات الحرارة تصل مستويات قياسية وللاستهلاك المفرط للمياه الجوفية والسطحية على حد سواء سجل تراجع مخيف لمنسوب المياه في السنوات الأخيرة لاجتفاف الفرشات المائية باطن الأرض تدريجيا في مختلف المناطق بالعالم.مما دقت معه المنظمات الأممية ناقوس الخطر لما ستواجهه البشرية في العشريات المقبلة من صعوبات في سبيل الحصول على الماء الشروب وعن إمكانية اللجوء لحلول بديلة قصد تامين توفر الكميات الضرورية من الذهب الأزرق في مستقبل السنوات. مما جعل الخوف يدب في نفوس ساكنة ايت ايعزم في رمضان من سنة 2007 وهم يتابعون عن كثب احتضار هذه البئر وهي تنضب من آخر قطرة ماء،وتقطع وصالها معهم بشكل لم يخطر ببالهم يوما. وهي التي كانت المزود الأساسي لحاجيتهم من الماء. لينتشروا في الأرض بحثا عن قطرة ماء في جميع الاتجاهات ايت بوكرام، اغرغر، تيكوناتين...وهناك من أطفال المدارس في مثل هذه الأحوال من يضحي بمساره الدراسي ليتولى مهمة مطاردة قطرة ماء طوال اليوم ليأتي بها إلى البيت دون أن يدرك عواقب الهدر المدرسي إلا بعد فوات الأوان. ومن النسوة أيضا من يقضين يوما كاملا بحثا عن برميلي ماء الأول للأغراض المنزلية والأخر للماشية. أما إذا أرادت التخلص من أوساخ الأغطية والافرشة فما عليها بمعية الزوج سوى أن يحملوها على متن دابتهم لعدة كيلومترات صوب أسيف نتونزة قبل تعبيد الطريق آنذاك. لكن بقدرة الله عز وجل وبعد عودة خيراته من المياه الجوفية،أصبح الماء الشروب لا يؤرق بال المواطنين، ومنهم من يفضل جلبه من هذه البئر عوض انتظاره قرب الصنبور في المنزل وهو الذي قد يأتي أو لا يأتي حسب أهواء أعوان الجمعية المكلفة بملء الصهريج المتواجد بهضبة تيوغران يوميا قبل ضخه في اتجاه المنازل، كما تقصده النسوة لغسل الملابس والأغطية والافرشة ونشرها تحت أشعة الشمس فوق الأحجار التي تكسو جنبات العين في ايمشض. بعد توجيه الحمد والشكر لله تعالى على نعمه ألا يجدر بنا القول إن المياه عادت إلى مجاريها بايت ايعزم؟؟؟ منظر عام لدواري waggaz وايت الطالب،حيث يبدو في الأعلى جبل حسان،إلى جانب الطريق المعبدة مؤخرا، بينما تشير النقطة الصفراء لموقع العين والآبار موضوع الخبر.