أريد بداية أن أذكر القارئ العربي بما بات يعرف ب"متلازمة ستوكهولم". تعرّف متلازمة ستوكهولم على أنّها حالة نفسية تدفع المصاب بها إلى التعاطف أو التعاون مع الشخص المضطِهد، أو المختطِف، أو الذي ضربه بشكل مبرح، أو اغتصبه، فيبدي الشخص ولاءه للمعتدي. ولقد ظهر هذا المصطلح عام 1973 عندما احُتجز أربعة اشخاص كرهائن بعد سرقة بنك في ستوكهولم، وبعد الإفراج عنهم مع انتهاء حصار دام لستة أيام، لم يقدّموا أي شكوى ضد الخاطفين. وخلال فترة الاحتجاز وفي ظلّ ما كانوا يشعرون به من ضغط، أخذ الرهائن في الدفاع عن تصرّفات اللصوص، ولوم الحكومة الساعية إلى إنقاذهم. وبعد مرور أشهر على انتهاء المحنة، استمرّ الرهائن في إعلان الولاء لخاطفيهم، لدرجة أنّهم رفضوا الشهادة ضدّهم، بل ساعدوا المجرمين في جمع الأموال اللازمة للدفاع القانوني عنهم. إن قراءة متأنية للوضع العربي الراهن، في ظل هذا الغليان الشعبي المؤيد للأطماع الاستعمارية التركية في سورية والعراق وليبيا والساعي إلى تمجيد فترة الاحتلال العثماني للأرض العربية واعتبارها خطأ على أنها خلافة إسلامية، يحيلنا إلى متلازمة ستوكهولم. فكيف بات العرب اليوم، باسم العاطفة الدينية، يحنون إلى هذه الفترة السوداء من تاريخهم التي امتزج فيها الظلم والقتل والتهجير والإبادة الجماعية بالتخلف وفرض الضرائب المجحفة وعمليات التتريك ونهب الثروات؟ وهل أصبنا بمرض فقدان الذاكرة حتى ننسى جرائم العثمانيين في مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية والمغرب العربي الكبير؟ وهل نسي العرب أنهم أصحاب حضارة موغلة في أعماق التاريخ، وأنهم أصل الإسلام وروحه، على يدهم أسلم الفرس والأتراك، وأن هذا الإسلام لن ينهض إلا على يدهم؟ فكيف يقبلون اليوم بأن يكونوا مجرد توابع وملحقات للأتراك ومطبلين للماضي العثماني الأسود الذي أذاقهم الويلات وهمش لغتهم وأعادهم سنوات ضوئية إلى الوراء بعد الفترة العباسية المشرقة التي اتسمت بدعم العلم والعلماء؟ ماذا جرى للفكر العربي اليوم حتى يصبح أسيرا في سجن العثمانيين وأدواتهم باسم الإسلام؟ سنورد في هذا المقال بعضا من جرائم العثمانيين في الوطن العربي كما جاءت على لسان مؤرخين عرب، وسنختم ببعض الأرقام حول حجم التبادل التجاري والعسكري بين تركيا والكيان الصهيوني منذ مجيء حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة، ومؤامراته على الأمة العربية بهدف نهب خيراتها وإعادتها إلى الحضن العثماني المظلم. نتمنى أن تجد هذه المعلومات آذانا صاغية عند من ختموا على أعينهم بالشمع الأحمر ولفوا وجوههم بالقطن كي لا يسمعوا من ينتقد خليفتهم وأجداده الذين أجرموا في حقنا. إن الحديث عن جرائم العثمانيين في المنطقة العربية لن ينتهي، رغم مرور عشرات العقود، فلا تزال المنطقة تعاني من ويلات تلك الخلافة المزعومة، التي تقترب إلى حد ما من وحشية تنظيم "داعش". جرائم العثمانيين في بلاد الشام: عانى العرب في الشام من حكم العثمانيين، الذين جلبوا إلى دمشق الخوازيق منذ بداية احتلالهم عام 1516، ووزعوها على كل حارة من أجل نشر الرعب بين السكان، فكان من يجرؤ على انتقاد السلطة الجديدة مصيره "الخزوقة". فقد قص المؤرخ الدمشقي شمس الدين بن طولون (المتوفى سنة 1546) المعاصر للمآسي التي عاشها أهل الشام وناله منها نصيب، فكان شاهد عيان على ما ارتكبه الاحتلال العثماني، ورصد ما حدث في وطنه في كتابه "مفاكهة الخلان في حوادث الزمان". لم تقف معاناة أهل دمشق عن التهديد بالقتل بالخازوق فقد طُردوا من بيوتهم وشُردوا ونُهبت مكتباتهم، وفرض العثمانيون ضرائب على السكان وشرعوا في تحصيل أخرى على الأراضي الزراعية، فيما نكلوا بأهل الذمة وأصدروا مراسيم مشددة بألا يركبوا الخيل ولا الحمير في وجود مسلمين داخل المدن. يقول ابن طولون: "جهز ملك الروم سليم خان عساكر كثيرة من أصحاب الديانات الأخرى والأرمن وغيرهم من أجل امتلاك الشام ومصر، وبعد موقعة مرج دابق عام 1516 التي انهزم فيها المماليك أمام العثمانيين، دخل السلطان سليم حلب، وكان أول عمله نهب مال قلعة حلب وأموال السكان حتى صار له مئة وثمانية عشر حملا من الأموال، وقد سلم السكان المدن اتقاءً لشر الجنود إلا أن هذا التسليم لم ينقذهم من النهب". عبر السلطان سليم الأول عن احتقاره للعرب منذ دخول بلادهم برفض استقبال العلماء، ويقول ابن طولون: "لم يجتمع ملك الروم سليم خان بجمع الطلبة وعلماء الشام في دمشق، واجتمع مع الإفرنج وقنصل الإفرنج". كشف العثمانيون عن وجههم الحقيقي بعد يومين من دخول دمشق بعملية السلب الممنهج للمدينة، ويقول ابن طولون: "في يوم الثلاثاء، هجمت العساكر الرومية على دمشق وضواحيها للسكنى، وأخرجت أناس كثيرة من بيوتهم ورُميت حوائجهم ومؤنهم وتعرضوا لشدة لم تقع على أهل دمشق من قبل". يقول ابن طولون :"جرى ترحيل أهل قيسارية القوّاسين في دمشق، وتحويل محلتهم إلى مطبخ السلطان سليم، فيما صدر أمر سلطاني بمصادرة جزء كبير من القمح والشعير من بيوت أهل دمشق، وكتب الدفتردار إلى كل عشر قرى مرسوماً بإحضار رؤسائها وأكابرها ومعهم الخدم فحضروا فطلب منهم مغل (محصول الأرض) هذه السنة، فتضرر أهل القرى وأربابه". ألغى العثمانيون ملكية الأراضي الزراعية وأعلنوا ضمها إلى ملكية السلطان، ورغم احتجاج الناس وتقديم صكوك الملكية إلا أن قاضي العسكر العثماني لم يستمع، وأثناء إقامة سليم جرى تسخير الناس في مسك الخيل وفي غيرها في خدمته، وأحصى الأتراك السكان وفرضوا ضريبة على كل إنسان، وكانت أول مرة تفرض هذه الضريبة على المسلمين. نهب السلطان سليم أموال الناس بحيلة خبيثة، عبر صك عملة جديدة وخفض قيمة القديمة، ما أدى إلى خسارة كبيرة لجميع الناس، وقال ابن طولون :"نودي على الفلوس الجدد التي ضربت باسم الملك المظفر سليم خان، كل ستة عشر فلساً بدرهم، بعدما كانت كل ثمانية بدرهم، فذهب للناس مال كثير في ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله". ترك السلطان سليم بلاد الشام بعد أن فرض جزية على دمشق حتى حدود مصر قدرها 230 ألف دينار، يجب جمعها باستخدام كل وسائل القوة، وما كاد أهل الشام يتعافون مما حل بهم من الجيش العثماني، حتى تمرد جان بردي الغزالي والي دمشق، فأرسل العثمانيون حملة من 62 ألف جندي سامت السكان سوء العذاب، ونقل المؤرخ المعاصر للأحداث ابن الحمصي في كتابه "حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران" هذه الفظائع بقوله :"دخلوا البلد ونهبوا قماش الناس وحوائجهم ونهبوا دكاكين السوقة ولم يتركوا لأحد شيئا في الدكاكين، ونهبوا البيوت والضياع ولم يسلم أحد منهم إلا ما قل، وارتجت دمشق رجة عظيمة أعظم من وقعة تيمور لنك، وأخذوا من دمشق حريما كثيرا وأولادا وعبيدا ولم يخلوا فيها لأحد فرسا ولا بغلا". لم يحفظ العثمانيون مكانة أهل العلم وتعرض ابن طولون للطرد من بيته ويقول :"أُخرجت من بيتي ورُميت كتبي ولم يوّقروا أحداً لا صغيرا ولا كبيرا ولا أهل القرآن ولا أهل العلم ولا الصوفية ولا غيرهم"، وفقد ابن طولون أغلب مؤلفاته العلمية في هجمة بربرية تذكر بما فعله المُغول في بغداد. تعصب عسكر الأتراك للمذهب الحنفي عن جهل، دفع بهم إلى التعرض للشافعية في محرابهم بالمسجد الأموي، ومنعهم من الصلاة فيه وكادوا يقاتلونهم، ولم يتورعوا عن هدم المساجد وإهانة المقدسات، وحول بعضهم مصلى العيدين في دمشق إلى خانٍ للإبل والخيل والبغال، أما المدارس، فتم إغلاقها وتحويلها إلى حظائر للماشية، يقول ابن طولون :"بعض جماعة السلطان جعل المدرسة العذراوية صيرة لغنمه". ينقل ابن الحمصي أن العثمانيين فرضوا ضرائب كبيرة على الأوقاف، التي كانت تُعفى من الضرائب، ويذكر أن العساكر العثمانية عام 1521 سطت على قافلة الحج الشامي ونهبت البضائع والمؤن خلال الحملة إلى منطقة العلا، ما أدى إلى شح الأطعمة وارتفاع الأثمان حتى صارت البقسماطة الواحدة بما يعادل 70 أشرفية، ولم يجد الحجاج ما يأكلون، وكادت المجاعة أن تفنيهم جرائم العثمانيين في مصر لم تختلف عملية الاستباحة العثمانية لمصر عن سابقتها في بلاد الشام، بل ربّما كانت أشد وطأة على اعتبار أنّ مصر مركز المماليك ومقرهم الرئيس، حيث أعمل الجيش العثماني في القاهرة وعموم المدن التي دخلها نهباً وتدميراً وحرقاً. في كتابه الشهير «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، دوّن المؤرخ المصري محمد بن إياس الحنفي وقائع دخول القوات العثمانية مصر بقيادة السلطان سليم الأول واصطدامها أكثر من مرة بمقاومة المماليك والمصريين بقيادة السلطان المملوكي طومان باي، ثم فرض العثمانيين سيطرتهم على هذا البلد وضمه رسميًا لدولتهم الكبرى في العام 1517م. وتعد شهادة ابن إياس من أهم ما كُتِبَ في هذا الشأن نظرًا لمعاصرته تلك الأحداث الخطيرة وتبعاتها. ويستهل المؤرخ أحداث العام 923ه بتدوين وقائع مطاردة العثمانيين للمماليك وانتهاكاتهم بحق المصريين. فيذكر القبض على أتابك العسكر المصري الفار من الريدانية والتنكيل به ثم قتله، ثم مداهمة الجند للمدافن والحارات والإصطبلات بحثًا عمن اختبأ بها من المماليك وقتلهم إياهم، بل وقتلهم من يشتبهون أنه منهم، حتى قتل في تلك الواقعة بعض الأشراف ظلمًا. ولما تكاثرت رؤوس القتلى نصب العثمانيون أعمدة علقوها عليها. في الثالث من محرم 923ه، شق سليم الأول القاهرة من باب النصر بموكب عظيم وصولًا إلى بولاق حيث أقام معسكره. ويذكر المؤرخ ابن إياس قول سليم الأول حين كان في معسكره قبل دخول القاهرة: «غدًا أدخل مصر فأحرق بيوتها وألعب بالسيف في أهلها». في الخامس من محرم، يذكر المؤرخ ابن إياس: "وحاول طومان باي أن يتحصن بقواته في بعض الجوامع الكبيرة، ولكن رجاله كانوا ينسحبون خوفًا من مداهمة الجند العثماني لهم. وبالفعل داهم العثمانيون المساجد وسيطروا على منطقة مصر العتيقة واقتحموا ضريح السيدة نفيسة وداسوا قبرها ونهبوا ما به، ثم توجهوا لمسجد المؤيد واعتلى قناصتهم مئذنته وفتحوا منها الرصاص على الأهالي لمنعهم من اقتحام باب زويلة لمساعدة طومان باي ورجاله، حتى صعد هؤلاء الأخارى إلى المئذنة وقتلوا من بها من قناصة". وخلال تلك الواقعة عاد الدعاء لطومان باي سلطان المماليك يرتفع من على المنابر القاهرية، ولكن سرعان ما تسبب تخاذل جنوده عنه في انهزامه أمام العثمانيين مجددًا ليضطر إلى الانسحاب من القاهرة التي تملكها سليم الأول مرة ثانية بعد ثلاثة أيام دامية. واندفع جنود الجيش العثماني يعيثون في القاهرة ويحرقون المساجد التي كان المماليك يتحصنون بها ويقتلون من يقابلون من الأهالي حتى عدد ابن إياس من قتلوا في تلك الواقعة بنحو العشرة آلاف! ثم داهموا الجامع الأزهر ومسجد الحاكم بأمر الله وجامع أحمد بن طولون وعدة من المساجد والمزارات يفتشون فيها عن المماليك، وتكررت مشاهد كبس الحارات والبيوت وترويع الأهالي وقتلهم ظلمًا. وكان من يؤسَر، يؤخَذ لمعسكر سليم حيث يتم قطع رأسه وإلقاء جثته في النيل. ويسهب ابن إياس في سرد تلك المذابح المروعة ثم يشبهها بواقعة غزو الملك البابلي نبوخذ نصر لمصر في العصور القديمة، وباجتياح هولاكو بغداد سابقًا. القارئ لكتاب «بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن إياس يدرك مدى تأثره عاطفيًا بتلك الأحداث، فبين صفحات هذا الكتاب وما جاء به من أحداث مختلفة منها المثير والخطير، كانت المقاطع التي وصف بها ابن إياس غزو العثمانيين لبلاده وما جرى حتى إعدام طومان باي هي الأكثر احتشادًا بالانفعلات والأكثر إسهابًا ل «فظائع الأمور». جرائم العثمانيين في المغرب العربي الكبير: لم تختلف جرائم العثمانيين في المشرق العربي عما ارتكبوه في المغرب العربي الكبير. ففي ليبيا سنذكر بمجزرة الجوازي سنة 1817 التي ارتكبتها القوات العثمانية ضد قبيلة الجوازي في مدينة بنغازي في ولاية برقة شرق ليبيا، وقتل فيها أكثر من عشرة آلاف فرد من قبيلة واحدة، انتقاماً من ثورة المدينة التي اندلعت ضد حكم أسرة القره مانللي ورفضهم دفع الضرائب المفروضة. ويصف أحمد البرعصي، أستاذ التاريخ الليبي، القرون التي سيطرت فيها الدولة العثمانية على شمال أفريقيا بالعصور السادية، ويقول "كان العثمانيون أساتذة في التعذيب، لم يكتفوا بالخوازيق بل ابتدعوا طرقاً أخرى مثل قطع الآذان، كانت سياستهم إفقار وإذلال سكان البلدان التي احتلوها، وإشعال الفتن القبلية بينهم لأتفه الأسباب من باب سياسة فرق تسد". وتابع "مفهوم الحكام العثمانيين للدولة كان مقتصراً على الدفاع عن الولايات والأمن الداخلي وجباية الضرائب، حتى المرور بالطرق والشوارع فرضوا عليه ضريبة، كانت تسمى (الحلوان)، وفرضوا ضرائب أخرى لا تحصى ولا تعد، منها ضريبة (الميري) وهذه تحصل بنسبة 22 في المئة لحساب السلطان، وضريبة (الكشوفية) وقدرها 16 في المئة، وكان الملتزم وهو شخص يتم تعيينه لتحصيل الضرائب، يقوم بدفع هذه الضرائب للحكومة مقدماً، ثم يقوم بتحصيلها بأضعاف قيمتها من الأهالي، ما أدى لفقر الشعب وتزايد الجهل والمرض ونقص الخدمات وشح الموارد". أما في الجزائر فلم تختلف جرائم العثمانيين عن جرائم الفرنسيين، فالاستعمار عملة واحدة ولو تمسح بالدين لتجييش العواطف. لقد كانت الجزائر أول البلاد العربية في المغرب العربي التي دخلها العثمانيون سنة 1516، كقوة حامية، استنجد بها الجزائريون لمواجهة التحرشات الإسبانية، التي كانت تقوم بها سفن بحرية تابعة لمدريد على شواطئهم. وهو ما يذكره الباحث الجزائري محمد بن مبارك الميلي في كتابه" تاريخ الجزائر القديم والحديث"، مؤكداً أن "محاولات وغزوات الإسبان ضد الجزائر، كانت من بين الأسباب المباشرة التي مهدت لاستقرار الحكم التركي بالجزائر". يقول محمد الميلي: "عندما دخل عروج إلى الجزائر استقبله الشيخ سليم التومي وسكان المدينة، استقبال الفاتحين، وسارع عروج بنصب عدد من المدافع تجاه جزيرة صغيرة يسيطر عليها الإسبان، وبعث إلى قائد الحامية الإسبانية يأمره بالاستسلام، لكنه رفض، فأطلق عروج نيران مدفعيته على المعقل الإسباني، إلا أن ضعف مدفعيته لم تمكنه من تحقيق الانتصار". ويضيف الميلي "سقطت هيبة الأتراك في أعين سكان الجزائر، إضافة إلى أن أهالي ميناء الجزائر بدأوا يتضجرون من تصرفات الأتراك، الذين كانوا يعاملون الجزائريين معاملة فظة، وبدأت تظهر بوادر التمرد، إلا أن عروج ذهب بنفسه إلى منزل السلطان سليم التومي، وقتله بيده في الحمام حيث وجده، وخرج على جنده وأعلن نفسه سلطاناً على الجزائر". وهكذا كان أهل الجزائر كالمستجير من الرمضاء بالنار، فبعد جلبهم العثمانيين للتخلص من الخطر الإسباني احتلوا بلادهم. كما عمل الأتراك على حرمان الجزائريين من مناصب الإدارة والحكم، وفرضوا ضرائب مجحفة على السكان، ما تسبب في ثورات شعبية عديدة عليهم، كما تذكر العديد من المصادر التاريخية في تلك الحقبة. وواصل العثمانيون سياساتهم هذه في إدارة الجزائر حتى سقطت في يد الاستعمار الفرنسي عام 1830 منهكة يعشش فيها الجهل ويعاني أغلب سكانها الفاقة والفقر. جرائم العثمانيين في الجزيرة العربية: عانى أهلنا في الجزيرة العربية، كباقي إخوانهم في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي من ظلم العثمانيين وجرائمهم. فقد قامت الدولة العثمانية على يد المجرم السفاح فخري باشا بتهجير سكان المدينةالمنورة بشكل قسري، وقد ذكر المؤرخ المعروف محمد حسين زيدان في كتابه "ذكريات العهود الثلاثة" ما قام به العثمانيون من جريمة الترحيل الجماعي لأهل المدينةالمنورة، وتجويع أهلها، وقام الجنود العثمانيون بتخزين التمور في المستودعات واقتحام البيوت وسلب أقوات أهل المدينة من المؤن، كما وثّق العديد من الأدباء والشعراء والمؤرخين المدنيين المعاصرين لحادثة سفر برلك، مثل الأديب ضياء عزيز، في كتابه "حياتي مع الجوع والحب والحرب" والمؤرخ أمين مدني، وفي الجزء الخامس من كتاب "طيبة وذكريات الأحبة" يروي المؤلف أحمد أمين صالح مرشد في فصل مطول جريمة ترحيل أهل المدينةالمنورة. كما أن للدكتور سعيد بن وليد طولة، كتابًا صدر عام 1437ه/ 2016، يقول فيه إن المجرم فخري باشا قام بسرقة المقتنيات والكنوز من الحجرة النبوية من المسجد النبوي الشريف، وإرسالها عبر القطار إلى إسطنبول قبل مغادرة الجيوش العثمانية المدينةالمنورة. يرى الدكتور عصام الدسوقي أستاذ التاريخ في جامعة حلوان " أن العثمانيين ليسوا سوى غزاة ومستعمرين احتلوا بلاد العرب أربعة قرون مثلهم مثل الاستعمار الفرنسي والبريطاني واستنزفوا ثروات العرب وأورثوهم الضعف والتخلف " ويرفض الدسوقي "الرأي الذي يصف العثمانيين بالفاتحين فكيف يمكن وصف دخول شعب مسلم لأرض شعب مسلم بالفتح؟! فذلك مناف للعلم والتاريخ" ويرى الدسوقي "أن السلطان العثماني كان إمبراطوريا استعماريا وأن البلاد العربية عانت التبعية لمركز استعماري ولم تشهد أي معالم نهضة أو حضارة وهذا لا يأتي إلا مع الاستقرار وهو ما حرم العثمانيون منه العرب" يشير أغلب الكتاب والمؤرخين العرب الى أن تاريخ العثمانيين في المنطقة العربية من أشد عصور الأمة العربية انحطاطا وتخلفا، وغاب فيها النتاج الأدبي والفكري والعلمي للعرب فظلوا قابعين تحت حكم العثمانيين بالحديد والنار، ونفذ العثمانيون عددا من الإعدامات للوطنيين العرب في دمشق وبيروت أواخر عهدهم في الوطن العربي، وكذلك حملة التتريك التي قادتها حكومة الاتحاد والترقي والقمع الشديد للسكان العرب كما منعت جلب أدوات الطباعة إلى الوطن العربي بأوامر من الباب العالي لكي تبقى الأمة العربية في حالة من التخلف تحت رهن الحكم العثماني طيلة أربعة قرون مظلمة، وهناك ملاحظة أيضا أن المناطق التي دخلها الإسلام في أوروبا خلال الحكم العثماني تخلت عن الإسلام بمجرد انتهاء حكم العثمانيين عكس الفتوحات الحقيقية التي حدثت في المشرق وهذا يدل على أن الحكم العثماني كان قروسطيا عسكريا لتوسيع الإمبراطورية العثمانية فقط. يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "أم القرى": "آن للعثمانيين أن يستيقظوا ويصبحوا من النادمين على ما فرطوا في القرون الخالية، فيتركوا السلطة لأهلها، والدين لحماته، وبذلك يتقون الله في الإسلام والمسلمين" يضيف عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "أم القرى"، جاما غضبه على العثمانيين: "قدم محمد الفاتح الملك عن الدين، فاتفق سرا مع ملكي إسبانيا فردينارد وإيزابيلا على ترك الأندلس تسقط وترك مسلميها فريسة للصليبيين، كما غدر سليم الأول بخلفاء العباسيين واستأصلهم، وأعان روسيا على مسلمي التتار، فزهقت أرواح ملايين من المسلمين بتدبير العثمانيين". ويضيف بشأن جهاد الدولة العثمانية إسلاميا، منتقدا المروجين لهذه الفكرة بقوله: "أليس الترك قد تركوا الأمة أربعة قرون ولا خليفة، أليس الترك قد تركوا الأندلس مبادلة، وتركوا الهند مساهلة، أليس الترك قد تركوا وفود الملتجئين يعودون خائبين وتركوا المستنصرين بهم عرضة للمنتقمين (محاكم التفتيش)، وتركوا الممالك الجسيمة الآسيوية للروسيين، وتركوا قارة إفريقيا الإسلامية للطامعين، وكانت غارات الترك على أوروبا ليست نوعا من الجهاد ولا من الحرب الدينية، وإنما هي نوع من ملحقات غارات البرابرة الشماليين كقبائل القوط والوندال على أوروبا، لا يقصدون بالدين غير التلاعب السياسي وإرهاب أوروبا باسم الخلافة" يضيف عبد الرحمن الكواكبي قائلا: "لا يجوز الاتكال على السلاطين العثمانيين في أمر الخلافة علاوة على السلطنة، فسلاطين آل عثمان إذا تدبروا في الأمر قليلا لا يجدون وسيلة لتجديد حياتهم السياسية أفضل من اجتماعهم مع غيرهم على خليفة قرشي". حجم التعاون التجاري والعسكري بين تركيا والكيان الصهيوني في عهد أردوغان: لا تختلف جرائم ومؤامرات وأطماع العثمانيين الجدد عن أجدادهم، فالمشروع الاستعماري المبني على الظلم والهيمنة ونهب ثروات العرب باسم الإسلام، واحد وإن تعددت الأسماء والأزمنة. ومن سليم الأول الذي غدر بالعباسيين إلى أردوغان مرورا بمراد والمجرم فخري باشا وسليمان القانوني ومحمد الثاني وعبد الحميد قرون مليئة بالدماء والدمار. وها هو حفيد العثمانيين يستقوي اليوم بليبيا لنهب خيراتها بعد أن جفف نهر دجلة واحتل شمال سورية وأدخل إليها جماعاته الإرهابية لتدميرها. إن حقيقة التحالف بين العدو الصهيوني مع العثمانيين الجدد تثبتها الأرقام وليست مجرد اتهامات، فحجم التبادل التجاري بين تركيا والعدو الصهيوني العام 2002 أي قبل صعود حزب العدالة وأردوغان للحكم كان يبلغ 1.39مليار دولار غير أنه في عام 2014 وصل إلى 5.83 مليار دولار ، ويقول المسؤولون الإسرائيليون والأتراك إنهم يطمحون لرفعه. وفي تحقيق أعدته "دويتشه فيله" الألماني، باللغة الإنجليزية، يقول كريستيان باركل، الخبير بالشؤون التركية، ومدير مؤسسة "هاينريش بول" في تركيا، إنّ "أردوغان يحب تنصيب نفسه بمظهر المنقذ للمسلمين في مواجهة ترامب وإسرائيل، غير أنّه يستخدم مهاراته الخطابية في هذا العداء الشكلي، من أجلِ كسب الانتخابات ". ويضيف باركل "ستون بالمئة من الغاز الذي تحتاجه تركيا، تحصل عليه من روسيا، لكنها تريد التحرر من هذه السيطرة خصوصاً بسبب الأوضاع السياسية ، ولذلك هي تبحث عن مزودٍ جديد، هو إسرائيل". أما البرفيسور هاتيس كارهان وهي واحدة من كبار مستشاري الدولة التركية والرئاسة، تقول "الاقتصاد لا يفهم سوى لغة الأرقام، وصادرات تركيا إلى إسرائيل تجاوزت خلال الأعوام القليلة الماضية حاجز 2،5 مليار دولار، وهو مبلغ مستمر النمو، وهذا يعني، أنّ السوق الإسرائيلي من أهم الأسواق لتركيا في العالم". وهذا الفارق الشاسع بين الصادرات والواردات يأتي من الأسلحة والمعدات التي تشتريها تركيا من إسرائيل، ومنها تحديث أسطولها الجوي من طائرات (إف 4 وإف 5)، بمبلغ 900 مليون دولار للشركات الإسرائيلية، وتحديث 170 دبابة من طراز (إم60 ) بمبلغ 500 مليون دولار، كما يوجد اتفاق على شراء صواريخ (دليلة) التي مداها 400 كم، كما أن الكونغرس الأميركي وافق لإسرائيل على بيع تركيا صواريخ (أرو) المشتركة الصنع بقيمة 150 مليون دولار، كما أن تركيا عقدت صفقة طائرات (هارون) دون طيار وهي عشر طائرات بلغت تكاليفها 183 مليون دولار. فكيف بعد كل هذه الجرائم العثمانية التي لا تقل في وحشيتها وشراستها عن نظيرتها الصهيونية والفرنسية، ما زال هناك قطاع عريض من العرب، باسم العاطفة الدينية السنية، يحن إلى الاستعمار التركي وفترته المظلمة؟ وهل قدر للعرب أن ينتقلوا من استعمار تركي إلى آخر فرنسي وبريطاني وإيطالي بعد أن باعنا رجل أوروبا المريض بثمن بخس، ثم يعودوا مجددا إلى أحضان الاستعمار التركي باسم خلافة مزعومة انتهت حقيقتها بنهاية آخر خليفة عباسي عربي؟ إننا نطالب المسؤولين عن المناهج الدراسية في الوطن العربي إلى إعادة قراءة تاريخنا العربي وتعريف الأجيال بهذه الجرائم العثمانية واعتبار فترة تواجدهم في الأرض العربية استعمارا واحتلالا غاشما كرس التبعية والظلم والانحطاط، ولا علاقة له إطلاقا بالخلافة الإسلامية. كما نطالب الأتراك اليوم بالاعتذار عن جرائم أجدادهم وتعويض عائلات الشهداء تماما كما فعلت إيطاليا مع ليبيا. رحم الله عبد الرحمن الكواكبي الذي انتقد وتصدى بشجاعة للمحتل العثماني في سورية، حتى استشهد مسموما بغدرهم. رحم الله السلطان السعدي محمد الشيخ الذي ضحى بحياته من أجل أن يبقى المغرب الأقصى مستقلا، وقاوم الأطماع الاستعمارية العثمانية ببسالة قبل أن يغتاله سليمان القانوني ويعلق رأسه على باب القلعة بالقسطن