حل شهر أبريل من سنة 2020، وحلت معه خيبة الأمل في الاستمرار بالتربع على عرش الكذب والإشاعة والدعابة. وبات عرشه مهددا بالانهيار. بعد أن انتشرت واستفحلت الإشاعة والأكاذيب طيلة السنة. وبات لها خبراء ومحترفين منشغلون بتعذيب العقول البشرية، وتشتيت أفكار وهموم العقلاء.. أصبح الكل مصابا بهذا الفيروس، الذي شغل الناس، وهم سجناء كورونا المستجد، رهن الحجر الصحي والمنزلي، يقتلهم الملل والضجر.. تخلت العوالم الرقمية عن مهامها في التواصل الإيجابي والمثمر، وفقد الناس مؤنسهم الوحيد و مناظيرهم التي يطلون بها على عالمهم الواقعي، الذي أصبح بعيد المنال مؤقتا. مستعمرا من طرف زعيم مجهول وغير مرئي. لابد أن تكون غضبة شهر أبريل شديدة. بالنظر إلى ما تعرض له من خيانة بشرية، وخيانة من باقي الأشقاء ال11، شهور السنة الميلادية. فلا هو قادر على محو غدر هؤلاء، الذين استباحوا الأعراض والشرف والدين والأخلاق. بسيوف الكذب والبهتان. ولا هو راغب في استعادة عرش لطخ بالدموع والدماء والعرق.. وبرغم ما يعرف بمآسي شهر أبريل التي عددها موقع ويكيبيديا. هذا الشهر الذي عرف ولادة الزعيم الألماني هتلر. واستسلام الدولة الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وقبلها عرف بداية الثورة الأمريكية، كما عرف اغتيال الرئيس الأمريكي إبراهام لينكون، وزلزال فرانسيسكو، وغرق السفينة تيتانيك… فإن من مميزات هذا الشهر، أنه اعتاد الإطلالة علينا كل فصل ربيع. وكلنا شوق ولهفة، لاستقبال (دعابة ) أو (كذبة بيضاء)، تزيدنا مرحا ونشاطا. اعتدنا القبول بأكاذيبه وشائعاته. لأنه لم تكن يوما أكاذيب وشائعات محبطة ومدمرة للنفوس. كتلك التي باتت تطل علينا في وقت وحين. لم يعد شهر أبريل، مهتما بعرشه. ولم يعد يفكر حتى في الانتقام ممن دبروا مؤامرة الثورة والانقلاب والإطاحة به. بقدر ما أصبح مهتما بخطورة هؤلاء الانقلابيين في زمن كورونا. وما قد يلحقونه من ضرر للبشرية جمعاء.. وما قد ينسبونه إليه من أكاذيب وإشاعات هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. ورغم عشق الشعوب وشوقها ل(كذبة أبريل)، فإن ما يجري ويدور من جرائم الكذب والبهتان والتلفيق والفبركة الرقمية، جعل كل دول العالم تسن قوانين لتجريم الكذب والإشاعة. وهي اليوم تشدد عليها أكثر في زمن كورونا. والمغرب في مقدمة تلك الدول. كان سباقا قبل سنتين، لسن قانون محاربة الإشاعة ونشر الأخبار الزائفة، أو التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها. وبات ناشر الأكاذيب والإشاعات عرضة للمساءلة القانونية والمتابعات القضائية. ومآله السجن . ومدة العقاب تتراوح ما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة مالية من ألفين إلى 20 ألف درهماً. فهل يكفي سن القوانين، وتحديد العقوبات السجنية والغرامات، من أجل وقف زحف فيروس الكذب والإشاعة. وهل يكفي استفاقة المتحكمين في منصات التواصل المتأخرة، وتأكيدهم على تنقية وتطهير منصاتهم من هذه الكائنات البشرية المدمرة، من أجل ضمان مراقبة صارمة لما يبث وينشر بالعوالم الافتراضية؟؟ .. طبعا لا .. والدليل ما نعيشه اليوم من انتشار واسع للإشاعة والأكاذيب. والتي يعتمد أصحابها على إمكانيات إخفاء هوياتهم التي توفرها لهم بعض منصات التواصل. وكذا إمكانيات البث والنشر من أي بلد، وتحت أي غطاء.. طالبت في مقالات سابقة، بضرورة فرض إحداث مكاتب بالمغرب، لكل الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي النشيطة بالمغرب وفي مقدمتها الفايسبوك. حتى يمكن للمغاربة الاستفادة من تواصل إيجابي تنموي، ويوقف عبث العابثين والمفسدين. لو كانت هناك مكاتب بالمغرب لتلك المنصات، لتم الكشف عن هويات أصحاب الأسماء المستعارة، وتم الاهتداء بسرعة إلى كل المبحوث عنهم من أجل نشر الأكاذيب والإشاعة. على شعوب العالم أن تعي بأن العوالم الرقمية، لا تؤمن بالحدود الترابية. ولا بنوعية ومكانة الأنظمة العالمية. والواجب يفرض أن يتم إحداث نظام عالمي واحد، يشرف على تدبيرها. وأن السبيل الوحيد لتنقيتها وتطهيرها، يقتضي ترسيخ ثقافة رقمية. تؤمن بالإبداع والجودة والتضامن.. وتجعل من كل رائد (مغردا كان أو مدونا)، شرطيا محاربا لكل فيروس دخيل. ومعقما ومطهرا لكل الفضاءات الرقمية. فقد أصبح الشعب المغربي اليوم يئن تحت وطأة الإشاعة. وبدأ يشكك في كل ما يصله من أخبار ومعلومات. بل بدأ يفقد الثقة في كل من يدبر أموره داخل الحكومة وباقي رفوف الإدارة. وهاهو اليوم سجين المنازل والمصحات. يزداد قلقا وغموضا. يترنح بين مطرقة فيروس كورونا الذي يتربص له بالأزقة والشوارع. وسندان المعلومة التي بات يتلقاها عبر هاتفه النقال أو الحاسوب، أو من شاشة التلفزيون. إن على المغاربة اليوم، الاعتذار لشهر أبريل. الذي تفهم وضع الشعوب، وقرر عدم المغامرة بنشر أي كذبة. اعتبارا لما تعيشه الشعوب من وأوضاع مقلقة، من جراء انتشار الوباء كوفيد 19. ومن جراء سيل الأكاذيب والإشاعات التي غطت صفحات منصات التواصل الرقمي. وقرر التنازل عن عرش الكذب المسلي الذي كان يعده سنويا للشعوب. وعليهم وضع حد لمسلسل نشر التفاهات والسخافات واستغلال منصات التواصل في التربية والثقافة والتعليم وتبادل المعلومات الصحيحة. وتبادل الوصايا والمقترحات الجادة. والكشف عن الثغور والثقوب والنواقص، والعمل على إيجاد السبل لمعالجتها.. فواقع الحال، يؤكد أننا ماضون في طريق التغلب على هذا الضيف الثقيل. وأن فترة الاستضافة لاشك ستنتهي قريبا… بفضل ما أقدمنا ونقدم عليه من تلاحم وتضامن والتزام للإجراءات الاحترازية… ولا شك أن هذا الوضع سيزيدنا قوة وحزما وعزما من أجل المثابرة والاستمرار في التحدي.. وتوخي الحذر. لأن أمل ومصير الشعب المغربي كله، مرتبط بكل مغربي. وأن كل تجاوز أو انفلات أو انحراف..لا شك سيرجح كفة كورنا المستجد. وسيمكنه من النيل منا. ونحن بلد نام لا نملك الآليات المتطورة والكبيرة للعلاج . سلاحنا الوحيد الوقاية من الوباء والإشاعة.. وأملنا محاربة الثلاثي الجارف للشعوب المتمثل في الوباء والبلاء والغباء..