“كشف المستور، بين المستشار والمفتش من قشور، المسببة للفتور، فهل يستطيع الوزير، انهاء الفتور؟ “ ضربة البداية: في كشف المستور…فغرد بالنصر يا طائر الشحرور: في خضم الدينامية النضالية التي تشهدها الساحة التعليمية المغربية، والتي تقودها الفئات المتضررة من تراكمات وترسبات المنظومة التربوية المتردية والمتصدعة على جميع الأصعدة، وباعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذه الدينامية، ونظرا للحيف الذي طالها لسنوات عديدة، سطرت هيئة التوجيه التربوي والتخطيط برنامجا نضاليا مشوقا لإرغام الوزارة الوصية على تمتيعها بحقوقها المسلوبة دون وجه حق. ويأتي مطلب توحيد الإطار (مستشارين ومفتشين) في إطار واحد مفتش في التوجيه أو مفتش في التخطيط بعد التخرج من مركز التوجيه والتخطيط التربوي، والقضاء مع الثنائية المفتعلة والمقيتة: مستشار—مفتش باعتبارهما فئة واحد تم تمزيقها إلى فئتين، رغم توفرهما على نفس مدة التكوين ونفس المعارف ونفس شروط ولوج والتخرج من مركز التوجيه والتخطيط التربوي، ليتم تقسيمهما في إطار “البلقنة التربوية” المعهودة في الأنظمة التعليمية المتخلفة إلى فئة المستشارين في التوجيه/التخطيط التربوي، وفئة المفتشين في التوجيه/التخطيط التربوي. رفضنا لمنطق “البلقنة التربوية” لهيئة التوجيه والتخطيط التربوي لإفراز الثنائية (مستشار vs مفتش) كثنائية عقيمة ومجردة من معنى استراتيجي مدروس ومنهجي، ينطلق من منطلقات منطقية وعقلانية، مما يزكي ويشرعن مطالب المستشارين في التوجيه أو التخطيط التربوي في توحيد الإطار ضمن إطار مفتش في التوجيه أو التخطيط التربوي. وتتمثل تلك المنطلقات المنطقية والعقلانية في ما يلي: * ولوج أغلب المفتشين في التوجيه والتخطيط التربوي لإطار مفتش عن طريق الأقدمية، أي أنهم مجرد مستشارين في التوجيه أو التخطيط التربوي سابقين استفادوا من مرسوم تغيير الإطار والادماج المباشر كمفتشين ودون تكوين في سلك التفتيش (وإن خضعوا للتكوين فهو غير ضروري لأنه تكرار للمواد المدرسة في المركز وهدر للزمن والموارد و الطاقة). * كون المستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي الحاليين محرومون من حق تغيير الإطار إلى مفتشين في التوجيه أو التخطيط التربوي أسوة بالأفواج السابقة (أفواج ما قبل 2004) التي تزاول الآن مهام التفتيش في التوجيه والتخطيط التربوي. وهو حرمان من حق مكتسب لكون الفئتين (مستشارين ومفتشين) خضعوا لنفس التكوين، وهو تكوين صارم ومتنوع المجالات وجيد أفضل بكثير من التكوين الذي يتلقاه المفتشون التربويون/البيداغوجيون/التخصصيون (مفتشو المواد الدراسية التخصصية أو مفتشو الاساتذة). من هنا نستنتج مستويين اثنين من القشور الملتصقة على الظهور المؤدية إلى الفتور ثم النفور: * المستوى الأول: عدم أفضلية هيئة المفتشين التربويين/البيداغوجيين على أطر هيئة التوجيه والتخطيط التربوي، ورغم ذلك استفادوا من إطار مفتش بعد سنتي تكوين في مركز التفتيش التربوي، وبشروط ولوج أقل من شروط الولوج إلى مركز التوجيه والتخطيط التربوي، الذي يشترط على الأقل دبلوم الدراسات الجامعية العامة في حين أنه يمكن ولوج مركز المفتشين التربويين بالباكالوريا فقط، خاصة سلك تكوين مفتشي التعليم الابتدائي. إضافة إلى عدم أفضليتهم من ناحية المستوى الفكري والأكاديمي والتكويني لأن التكوين الذي يخضعون له في مركز التفتيش التربوي تكوين تخصصي فقط يقتصر على علوم التربية وديداكتيك المادة والتشريع المدرسي، وهي مجالات يتحكم ويتفوق فيها أطر التوجيه بحكم ممارستهم الميدانية لمهنة التدريس في السلك الإعدادي ولمدة لا تقل عن ستة سنوات، في حين أن مستشاري التوجيه والتخطيط يخضعون لتكوين صارم ومتنوع المجالات والتخصصات مثل التكوين في العلوم الاقتصادية والسيكولوجيا (بكل فروعها ومدارسها) والسوسيولوجيا والاحصاء والمعلوميات ومناهج البحث التربوي والقياس والتقويم وتقنيات التواصل وتقنيات الإعلام و التوجيه المدرسي والتخطيط المدرسي والديموغرافيا والخريطة المدرسية وعلم النفس الاجتماعي، علاوة على علوم التربية والتشريع المدرسي. ورغم تكوينهم المتين، فالمستشارون في التوجيه والتخطيط التربوي يحرمون من إطار مفتش. قس على ذلك، حرمانهم من التعويضات الجزافية التي يستفيد منها أطر الإدارة التربوية والمفتشون بأصنافهم، كما يتلقون تعويضا هزيلا عن إطارهم الجديد بعد التخرج من المركز (140 درهم فقط عكس الأطر الأخرى). كما تتم سرقة أقدميتهم في الدرجة مباشرة بعد التخرج من مركز التوجيه والتخطيط التربوي: أو عندما يكون التكوين بمثابة عقوبة ونكوص عن الوضعية المهنية السالفة لتتكرس بذلك مقولة “ما دمت في المغرب فاستغرب (تعجب) واستغرب (غادر إلى بلاد الغرب) ولا تستغرب (للنزاهة والعدالة هناك)”. * المستوى الثاني: عدم أفضلية مفتشي التوجيه التربوي والتخطيط على المستشارين في التوجيه والتخطيط، التربوي، وإنما هي فقط مسألة متعلقة باستفادة مجموعة معينة (المفتشين الحاليين)، وحرمان مجموعة أخرى (المستشارين) من غير منطلق منطقي/واقعي، مما يكرس التمييز الواضح بين الأطر ذات المسار التكويني والمهني الواحد والمشترك. ورغم وجود فوجين استفادوا من التكوين كمفتشين في التوجيه والتخطيط التربوي، وهم معدودون على رأس الأصابع، إلا أن التكوين الذي تلقوه مجرد تكرار/اجترار (مع انخفاض في الحيز الزمني المخصص لأن السنة الثانية كلها تكون مخصصة لبحث التخرج فقط) للمصوغات التي يوفرها التكوين في سلك المستشارين في التوجيه والتخطيط. كما يلاحظ أن الفئة التي استفادت من التكوين لم تفد منظومة التوجيه والتخطيط التربوي من حيث البحوث الأكاديمية والانتاج المعرفي الأصيل والرصين، ما عدا محاولات ترجمة لمقولات ونصوص وتصورات أجنبية واللعب بمصطلحات مترجمة وبيعها في بعض الأحيان في سوق التكوينات وعالم الطبع. من بين هذه المصطلحات المستوردة والتي تغيب عنها الروح/اللمسة المغربية والواقعية المجالية: المشروع الشخصي، المدرسة الموجهة، التوجيه النشيط والناجع الخ. إضاءات لابد منها: التمييز بين التوجيه السليم والتكوين المبتور، فهل يعلم الوزير والمدير؟ معظم المفتشين التربويين/مفتشي الأساتذة (أو مفتشي المواد المدرسية)، وكذا الأطر الإدارية (بالإسناد (دون تكوين) أو بالتكوين لمدة عام) يعتقدون أن العلاقة التي تربط بين مستشار في التوجيه ومفتش في التوجيه هي نفس العلاقة التي تربط المفتش التربوي بأستاذ المادة الدراسية، حيث يكون المفتش التربوي مثلا لديه تكوين أعلى نسبيا بحكم “المرور” من مركز التفتيش التربوي. وتبعا لذلك، يمكن للمفتش التربوي القيام بزيارات و”تفتيشات” وتأطير لأستاذ المادة وتقييم عمله داخل القسم. ولا يفهمون أيضا أن للتوجيه والتخطيط التربوي خصوصيات مميزة، وهذه الخصوصيات تفرز علاقة ذات علاقة خاصة بين مستشار في التوجيه والتخطيط التربوي ومفتش في التوجيه والتخطيط التربوي، وهي أولا علاقة (مفتش-مستشار) غير صحية/منطقية، ولا توجد إلا في المنظومة التربوية المغربية في إطار الاستثناء المعهود. وثانيا هي علاقة أفقية فقط مبنية على التنسيق فقط، ولا تتمخض عنها أية تراتبية أو نموذج عمودي أو سلطة/رقابة تربوية أو معرفية تأطيرية. ومن قال بالرأي المخالف فليحلل المعادلة التالية: مستشار قديم (منهك وغير متحرك) أصبح مفتشا بالأقدمية “يأطر ويواكب ويقيم ويوجه” مستشارا جديدا (حيوي وديناميكي) خضع لنفس تكوين المفتش من حيث المعارف والكفايات ومدة التكوين ودبلوم التكوين وفضاء التكوين= إمساك تربوي مقصود و “ممنهج ” داخل حيز/نطاق إسهال تدبيري/تصوري/غير ممنهج/لا منطقي. وثالثا، وما لا يفهمه الجميع حتى الوزارة، هو أن التوجيه والتخطيط التربوي مجال/ميدان شاسع ومتداخل وصعب الضبط ويتميز بالمتغيرات في كل دقيقة لأنه مرتبط بمجالات معقدة ومتجددة كالديموغرافيا والسيكولوجيا والصحة النفسية والتقييم والقياس البسيكومتري و السوسيولوجيا والاقتصاد وعالم الشغل والمهن والسياسات الدولية والمخططات الوطنية الخ لذلك، فميدان التوجيه والتخطيط ليس مجالا يمكن وضع بيداغوجية أو ديداكتيك خاص به، حيث يكون هناك ممارس/مزاول (مستشار في صيغة مدرس) ومراقب/مقيم/مؤطر (مفتش بصفة مراقب/مؤطر/مقيم). بمعنى أوضح، التوجيه والتخطيط التربوي ليس مادة مدرسية ودراسية ذات أطر مرجعية خاصة بها مثل اللغة الفرنسية أو الرياضيات مثلا. وليس له ديداكتيك أو بيداغوجيا محددة، وليس له محتوى ومنهاج مدروس ومحدد ليدرس… أنه عالم فضفاض وشاسع و متغير ومتجدد في تفاعل وتناغم فلسفي راهني مع حاجيات وتساؤلات واهتمامات المتعلم المتغيرة والمختلفة والمتجددة والمتقادمة، وليس—أكرر لكي يفهموا حتى بالخشيبات رغم انقراضها— ليس مادة مدرسية محددة الأهداف والمحتوى والكفايات والغايات الكبرى والبرنامج والكتاب المدرسي والحيز الزمني والقاعة والوسائل الديداكتيكية والأستاذ/المعلم والمدير والمفتش. تأسيسا على الخصوصية المميزة لميدان التوجيه التربوي مثلا، فمن الجرائم التي تقترف في حقه هي فكرة تنظيم “حصص في التوجيه التربوي”، حيث يتم ادخال التلاميذ الى القاعة وفق حيز زمني محدد في حصة (من 10 إلى 11 صباحا)، مقتطعة من الزمن السيكولوجي والاجتماعي والبيولوجي وتارة المدرسي للمتعلمين دون مراعاة حافزيتهم ودافعيتهم وحاجاتهم واستعدادهم للحضور والتفاعل. هذا الاكراه يتم تحت مسمى غير صحي من وجهة نظر التوجيه والارشاد المعاصرين وهو “حصة التوجيه”. هذا الوصف الخاطئ لزمن التوجيه التربوي تكرره مكونات المنظومة التعليمية بأصنافها، وحتى المستشارون في التوجيه التربوي، حتى صار المتعلمون عندما يتم سؤالهم عن هوية إطار التوجيه الواقف أمامهم يجيبون ببراءة “إنه أستاذ التوجيه”… تذكير للابد منه: إطار التوجيه ليس استاذا بمعنىأنه مدرس مادة التوجيه التربوي، إنه لا يمتلك مادة يدرسها وفق منهجية معينة ومحتوى محدد كما سبق التوضيح… إنه يتفاعل مع أسئلة المتعلمين المبنية على حاجتهم ورغبتهم، وليس مادة جاهزة يحضرها معه ليلقنها لهم ليحفظوها ويختبروا فيها….التوجيه التربوي هو حياة مرحة ديناميكية متفاعلة مع الحاضر ومستشرفة للمستقبل ومستحضرة لماضي الذات (المتعلم/الأب) المتسائلة. التوجيه التربوي أسئلة وتساؤلات حول الحياة مع مراعاة الشحنة العاطفية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية العلائقية والوجودية والهوياتية والمعرفية و”التجريبانية” لكلمة الحياة…. التوجيه التربوي ليس حصة تجري في ساعة محددة حيث يغلق المتعلمون الدفاتر كما في المواد المدرسية ويخرجون في انتظار حصة مدرسية ثانية… التوجيه التربوي “مقابلة مبنية على طلب ورغبة وحافزية المتعلم، وقد تستغرق ربع ساعة فقط أول أقل حسب طبيعة التساؤل/الهاجس/المعلومة، وقد تستغرق أكثر من ثلاث ساعات…إنه ليس حصة من ستين دقيقة ودفتر دروس معد للحفظ والنقل والاستذكار كما هو متعارف عليه في المواد المدرسية المحددة الأهداف والمحتوى وحيز التنفيذ/الالقاء والاسئلة…. إنه مقابلة قد تقتصر على سؤال واحد حول موضوع معين أو مجموعة اسئلة متشعبة ومتفرعة قد لا تنتهي، أو قد لا تصل إلى جواب في بعض الأحيان… كي لا نختتم: نداء لابد منه إلى أطر التوجيه: نعم، أنتم كنتم أساتذة (بمفهوم مدرس المادة، وهذا ليس تنكرا للوضعية الاعتبارية/الرمزية، والكل صار الآن يلقب بالأستاذ حتى الخضار والجزار والحلاق واللقلاق والنادل والتلفاز والإوز والخياط والضفدع والبطريق والوزير والمحامي والقاضي والصهريج والملاكم والنمر المقنع)، وهذا فخر طبعا، ولكن ذلك كان في الماضي… في الماضي، كانت لكم مادة مدرسية متحكم فيها وفق طرائق التدريس ومنهاجياتها وديداكتيكها ومؤطرها (المفتش التربوي)، ولكن الآن أنتم لستم أساتذة لمادة محددة، أنتم أطر التوجيه التربوي، فتكيفوا مع متطلبات المجال وخصوصياته والقوا رداء المدرس للمادة والبسوا لباس المرشد والموجه بناء على حاجيات ورغبات المتعلم… وتذكروا وذكروا من لا يعرف أن الحيز الزمني لمقابلة في التوجيه قد يكون أقل من ربع ساعة وقد يدوم لساعات… فلا تبرمجوا حصصا ثابتة ومحددة لأن اسئلة المستفيد المستهدف (المتعلم) تتغير وتطول وتقصر وتتجدد….اتركوه يسأل من تلقاء نفسه وبناء على حاجته ولا تركضوا وراءه وتلزموه بحصص مملة أو تحرموه من حصصه المدرسية التي سيمتحن فيها…. التوجيه ليس الزاما للتلميذ، إنه رغبة تنبع من داخله…”واذا إستنصحك فانصح له”، واذا لم يطلب النصيحة فلا تزعجه، وعندما يحتاجك ستكون لديه دافعية قوية لطلب ارشادك وتوجيهك…وهذا جوهر التوجيه الصحي والسليم… الرغبة وليس الإلزام بحصص ثابتة ومملة ومحددة الحيز الزمني. عبد الله التوبقالي