لم يعد لعيد الأضحى المكانة الدينية والأهداف الربانية التي سن من أجلها. ولم تعد الأسر المسلمة مهتمة بطقوس الاحتفاء بهذا العيد الديني، وفق ما تتضمنه الشريعة الإسلامية من تكافل وتضامن اجتماعي وإنساني، وما يتوجب عليها من تربية وتخليق لأطفالها، وترسيخ للنموذج الإبراهيمي في كيفية الخضوع والخنوع لخالق الكون، والامتثال الكامل لفرائضه وسنن رسوله الكريم محمد (ص)… هذا عيد أضحى.. وبات وأصبح.. وبعدها أمسى.. فما برح.. لكن ككل سنة هجرة .. صار وظل عيدا ناقصا لن يكتمل بدون طقوسه الكاملة قلبا وقالبا.. .. سنّة كان من الواجب أن تكون مناسبة سنوية لدعم الفقراء، ومشاركتهم طقوس العيد، وكان من الواجب أن نستمد منها قوة التصدي للتفاهات ومتاع الدنيا، والتنافس في التقرب لخالق الدنيا، وكسب رضاه… عوض أن تكون بدعة، حيث التنافس في استعراض أغلى الأضاحي، إرضاءا للأطفال والزوجات وترسيخ مفاهيم مغلوطة لدى الناشئة. وحيث تعمد الأسر إلى تخزين لحوم الأضاحي، أو تجفيفها (القديد).. عوض توزيعها على المحتاجين ممن وجدوا صعوبة في شراء أضاحي. هو إذن عيد ليس لكل الناس.. هو عيد لأسماء بعينها فقط.. عيد ل (لكبير.. ومبارك .. وسعيد ..)..هؤلاء الميسورين الذين بإمكانكم تدبير أموال الأضاحي بدون عناء.. لكنه عيد مع وقف التنفيذ لمجموعة كبيرة من الفقراء ومتوسطي الدخل.. بسبب عدم قدرتهم على شراء الأضاحي.. منهم من ينتظر مبادرة إنسانية، ومنهم من أرغم على سلك طرق القروض والسلف.. ومنهم من أفرغ منزله الصغير من بعض الأثاث أو التجهيزات من أجل بيعها، وتوفير مبالغ مالية لشراء الأضاحي.. هؤلاء الذين يتصنعون الفرحة أمام أطفالهم، بينما قلوبهم تنزف دموعا ودما.. نزيف قد يطول لأيام وشهور .. هو إذن عيد (اللحوم) و(الشحوم) و(الجلود).. حيث التنافس على تنوع الوجبات الغذائية، إلى درجة التخمة.. وحيث التبذير اليومي للحوم من طرف الأطفال والزوجات، في الوقت الذي تبادر فيه مجموعة أسر فقيرة إلى بيع لحوم أضاحيها في اليوم الموالي للعيد. بعدما اشترت تلك الأضاحي من أجل العمل بالسنّة كسائر المسلمين. يحل عيد الأضحى كل سنة وسط الأجواء المتعارف عليها داخل كل منطقة، وفق طقوس وعادات، تلاشت معالمها من جيل لآخر، وأخرى جرى إبداعها لتجديد التراث وتلقيح جذوره. فالعائلات أفرغت برامجها الاحتفالية باليوم السعيد من كل ما هو ثقافي تراثي ديني، وحملت شعار التنافس على شراء أسمن وأبهى أضحية، وتكريس أسلوب المساومة على ( شكون أحسن من الآخر)، باعتماد سعر الأضحية وندرتها، وإغفال جموع الأسر الفقيرة التي يقتاد فيها الأبناء أمهاتهم أو آبائهم للتفرج على ذو القرنين الطويلين والصوف البيضاء الناصعة الذي يصعب اقتناءه، والذي أسال لعاب الأبناء غير ما مرة ، وأدمعت له العيون الفقيرة، ويستمر البحث عن ما قل سعره ليعودوا آخر النهار من السوق أو من بأضحية مرفوضة من لدن الأبناء وأولياء أمورهم.