من المعلوم أن قضاة ادريس جطو ، الذين طافوا على أغلب القطاعات الحكومية وغير الحكومية ،التي يصرف فيها المال العام ، لم يقتربوا من قطاع الإنعاش الوطني الذي ظل لأسباب غير واضحة في منأى عن التفتيش والمراقبة ، رغم وقوف المصالح المركزية لهذه المؤسسة على مجموعة اختلالات إثر عملية افتحاص داخلي شملت جميع مندوبيات الإنعاش الوطني خلال ثلاثة سنوات الأخيرة ، لكن النتائج ظلت مبهمة و الجزاءات ظلت غير معلنة ، مما يؤكد استثناء قطاع الإنعاش الوطني من أي تفتيش قضائي يقوم به قضاة المجلس الأعلى للحسابات ، خاصة و أن هذا القطاع يعتبر مؤسسة وطنية لها امتدادات عبر مندوبيات إقليمية . و هو القطاع الذي تخصص له ميزانية ضخمة سنوية تقدر ب :800 مليون درهم ، توزع على جميع ربوع التراب الوطني ، يشرف على صرفها ضباط سامون يتم تعيينهم في معظم العملات و لأقاليم المغربية . تصرف هذه الميزانية على شكل أيام عمل نصف شهرية أو شهرية، للعمال الذين يتم تحديد عددهم من طرف السلطات الإقليمية و المحلية ليعملوا في أوراش تحددها السلطات الإقليمية و المحلية بالوسط القروي أو الحضري أو بضواحي المدن . مثل شق طرق أو سقي الأشجار أو غرسها ، إلى ذلك من الأوراش التي لها علاقة بالمصلحة العامة. إلا أن سياسة الأوراش أخذت منحى أخر ، إذ لم تكن تخضع للدراسة و لا للمراقبة و التتبع ، حتى أصبحت ميزانية الإنعاش الوطني تعرف نهبا و تبديدا واضحين . بل اصبح الإنعاش الوطني ريعا ماليا لذى المسئولين من سلطات و مستشارين جماعيين ، و خير دليل على ذلك هو تورط مستشارين جماعيين و موظفين بالإنعاش الوطني في التلاعب ببطاقات الإنعاش الوطني في أقاليم متعددة منهم إقليم بوجدور و إقليمالعيون و غيرهما من الأقاليم . لكن الأخطر من ذلك هو الاستغلال الذي يتعرض له عمال و عاملات الإنعاش الوطني في غياب أي تدخل للحكومة من اجل حقوقهم الشغلية بالرغم بأنهم يشكلون فيئة من العمال و العاملات تقوم بأي عمل كان إداريا أو تقنيا أو نظافة أو حراسة ، و هي خدمات من مسؤولية الجماعات الترابية . فمنهم “المياومون العرضيون ” الذين يشتفلون في الأوراش التي تقيمها العملات في البناء و النجارة و الحدائق ، كما يشتغلون في منازل بعض المسئولين و المستشارين و يشتغلون في الصيانة و السياقة و في عمليات النظافة . ومنهم المياومون الدائمون الذين يقومون بمهام إدارية بالجماعات الترابية و في العمالات و في بعض المصالح الخارجية . إلا أن أجر هؤلاء لا يتجاوز 75,79 درهم في اليوم ، دون احتساب أيام السبت و الأحد ، رغم عملهم طيلة الأسبوع . ليس هناك تعويض عن ساعات العمل الإضافية أو عن العطل ، ليس لهم الحق في التغطية الصحية أو الحق في التقاعد . فمنهم من اشتغل في هذا القطاع عشرات السنين حتى مسه الكبر و لم يعد قادرا على العمل ، و منهم من ينتظر نفس المصير. لم يصل إليهم مفتش الشغل ليطلع عى معاناتهم و لم يبحث عن مدى احترام المسئولين عن القطاع للحد الأدنى للأجور . و لم تقم المفتشية العامة لوزارة الداخلية بأي تفتيش لهذا القطاع على مستوى العملات و الأقاليم ، كما أن قضاة جطو لا يقتربون منه . في كل مسيرة من مسيرات فاتح ماي تقرأ في وجوه هؤلاء العمال و العاملات علامات الإحساس بالحكرة و بالبؤس و الأمل الذي قد لا يأتي . إنها الطبقة العاملة التي تعاني من ظلم الدولة و من استغلالها لهم و التي ظلت تتناسى حقوقهم ، رغم مطالبهم المتكررة . لقد أصبح من الواجب على الحكومة و البرلمان الكشف عن مضامين العلبة السوداء للإنعاش الوطني ، أولا بتصحيح وضعية العمال و العاملات و تمكينهم من حقوقهم كاملة من إدماج في سلك الوظيفة العمومية إلى الحق في التغطية الصحية و الحق في التقاعد مع مراجعة أجورهم منذ بداية عملهم . و ثانيا ، العمل على وضع حد لتبديد و نهب المال العام و ذلك من خلال التشخيص الدقيق للوضعية المالية لهذا القطاع و متابعة المسؤولين عن صرف أموال طائلة هنا وهناك ، على خلفية أيام العمل التي لا تخضع لأي قانون من القوانين الشغلية و لا لأي معيار من معايير المراقبة المالية و التتبع ، و أيضا التحقيق في مدى واقعية الأوراش التي صرفت لها اعتمادات مهمة . لقد أصبح من الضروري فتح هذه العلبة السوداء و الكشف عن مسارات صرف أموالها و حقوق العاملين بالقطاع للحد من ضياع أموال طائلة لا يعلم أحد عن بدايتها و لا عن نهايتها .