و كان عنترة لا يعود من غزو أحياء من العرب إلا بالغنائم الكثيرة والذخائر النفيسة ، فيوزع ما استحصل عليه على الجميع ، فصار محبوه يتناشدون أشعاره و يتذاكرون أخباره و يصفون محبته لعبلة التي يذكرها في قيامه و قعوده حتى وصل الخبر أباها و أمها ، لكنهما لم يكونا يباليان بما يقول من أشعار ، و هما يضحكان منه في السر و الإجهار ، و لا يغتاظان منه لأنهما كانا يستقضيانيه حوائجهما و يستخدمانه في كل شيئ …و هما يعتبرانه من جملة العبيد و لا يرونه بمنزلة الأبطال الشجعان و لا يمكنه بحال من الأحوال ان يكون كفؤا لابنتهما عبلة ذات الحسب و النسب و الجمال … و لما كثر الحديث عن عنتر و عبللة عند أم عبلة و زاد، دعته إليها لتسأله عن المراد و ما علق بالفؤاد ، و لما حضر قالت له : سمعت أنك تحب ابنتي عبلة و تذكرها كثيرا في أشعارك ؟ و كانت عبلة قاعدة قربها تسمع المقال ، فتبسمت غن تغر أبرد من الزلال و ضوء و جهها أنور من الهلال … فقال عنترة : و الله أحبها حبا شديدا ما عليه من مزيد ،و حبها تمكن من قلبي و الخيال .. فلما سمعت أم عبلة ذلك زاد عجبها من جسارته و فصاحته ..و قالت لعنترة : يا عنتر إن كنت صادقا في مقالك فأنشدنا شيئا من أشعارك … فجاش الشعر في خاطره في الحال و كأنه كان ينتظر مجرد السؤال فقام و انشد و قال : أحبك حب كرام الرجال و أقنع منك بطيف الخيال وانت محكمة في دمي و مالكتي فاسمحي بالوصال فياعبل قد كل مني اللسان بتعداد وصفك و الدلال و كان عنتر ينشد تلك الابيات و عبلة و امها من نظمه متعجبات من فصاحته ، و جمال كلماته ، و قدرته على التعبير عن مشاعره المرهفة و اوصافه الدقيقة أما ما كان من أمر عنترة فقد أشفى قلبه و عبر عن ما في فؤاده من شوق و هيام و افرج عن ما في صدره من غرام و ما احتبس فيه من كلام .. و لما سمعت ام عبلىة شعره و النظام قالت له : و الله لقد تفوقت باشعارك على أصحاب الحسب و النسب من الابطال و لا بد ان اخبر زوجي ليزوجك من خميسة أمة ابنتي عبلة .. و تكون لك نعم الزوجة و الحليلة .. فقال لها : ياستاه لا أريد امراة غيرها و لو جاؤوا لي بكل النساء .. و تكلمت عبلة و قالت لعنترة : الله يبلغك جميع أمانيك و يرزقك بزوجة تحبك و ترضيك .. قال عنترة : آمين يارب العالمين .. قال الراوي يا سادة ياكرام صلوا على بدر التمام ، تم إن الربيع بن زياد قام بوليمة معتبرة ، دعا اليها ساش بن الملك زهير و مالك ابو عبلة ، فتذاكروا أخبار عنترة و ما قال في عبلة من أشعار، فقال ساش و كان يكره عنترة لسبب ذكرناه في السابق : و الله ما ينظر عبد السوء إلى نفسه الامن باب الرفعة على باقي الرعيان و العبيد ، و الله الكلام في شأنه لا يفيد ، لا بد من الخلاص منه .. قال الربيع بن زياد : و الله ما رفع ذكر هذا العبد الا ابوك الملك زهير و اخوك مالك .. قال الربيع بن زياد : كم مرة هم عبدي بسام بقتله و سقيه كأس الحمام و كنت أمنعه من ذلك . ثم ان الربيع بن زياد و ساش بن زهير اتفقا على أن يجهزا لقتله أربعين عبدا من الأشداء ، عشرين من عبيد ساش و عشرين من عبيد الربيع بقيادة بسام .. و اتفق في ذلك اليوم أن نساء عبس خرجن إلى وليمة اقامتها لهم ابنة شداد في قبيلة زوجها ،و سرن في الطريق تحت حماية عنترة ، و هو يركب بكامل عدته فرسه الابجر… و كان العبيد الاربعين الذين أزمعوا قتل عنترة كما تم الاتفاق بين شاس بن زهير و الربيع بن زياد قد سبقوه و كمنوا له في الطريق عند وادي الغزلان ، ينتظرون قدومه لينهالوا عليه بالسيوف و الرماح ، و بينما هم كذلك و إذا بحس فرسان و رجال ، كانو يبحثون عن عنترة ليقتصوا منه لأنه كان قد غزا ديارهم و أخذ في ما سبق أموالهم ، فاتفق الفريقان على النيل من عنترة و سقيه كاس الحمام ، و تعاهدوا على ذلك بالأيمان و الأقسام ، و الحمية كما تعلمون ياسادة يا كرام تغلب الاسد الضرغام ... في الغد حكاية جديدة من حكايات عنترة