على الرغم من محاولاتي اليائسة لتقبل الأمر وإيجاد الأعذار للإدارة وللمسؤولين والموظفين العاملين بها، إلا أني عجزت عن تفهم وتقبل وقائع القصة الحقيقية التالية التي لم تنتهي أطورها بعد: يحكى أن موظفا بمؤسسة عمومية (المؤسسة) تقدم لمباراة لشغل منصب عمومي (رئيس قسم) في قطاع وزاري آخر (الوزارة) واجتاز المباراة بنجاح وعين بقرار للوزير والتحق بعمله الجديد وشرع في القيام بمهامه، وبعد ذلك تم توقيع مقرر الالحاق المشترك من طرف رئيس المؤسسة والوزير .. إلى هنا الأمور عادية. غير أنه وبعد أقل من شهرين فقط من تاريخ الالحاق، أمر رئيس المؤسسة بتوقيف راتب الموظف (الذي يوجد في وضعية الحاق) دون أي سند قانوني ودون تقديم أي تفسير وتم التأشير على القرار من طرف الخازن، ومنذ ذلك الحين والموظف بدون راتب. بعد مرور خمسة أشهر من تاريخ الالتحاق، وبعد التأشير على قرار الالحاق من طرف الخازن الوزاري وبشكل غير مفهوم تم توقيف المسطرة وتجميد الملف، لماذا؟ قيل أن هناك رسالة مجهولة وجهت للخازن العام للمملكة ونتج عنها تكليف لجنة تفتيش أوصت بتوقيف الملف.. هكذا.. بدون تفسيرولا تبرير .. بعد كل المحاولات ودق الأبواب وربط الاتصالات دون جدوى.. لم يبقى للموظف سوى اللجوء إلى القضاء وفعلا أصدرت المحكمة الادارية بالرباط حكما يقضي بتسوية الوضعية الادارية والمالية للمعني مؤيد بقرار محكمة الاستئناف الإدارية ليصبح الحكم نهائي، ومع ذلك تقدم الوكيل القضائي بالطعن بالنقض وطلب وقف التنفيذ، (ومن بين المبررات السهر على الحفاظ على المال العام!) هذا الأخير أصدرت محكمة النقض قرار برفضه لعدم بنائه على أسباب استثنائية تستوجب إيقاف التنفيذ (لأن الموظف لا يطلب سوى تمكينه من أجره مقابل ما يؤديه من عمل)، ليصبح الحكم إذن حكما نهائيا ومحكوم بالنفاذ المعجل. لكن، ومع ذلك، الخازن الوزاري ما يزال يصر على رفض التنفيذ رغم تأشيره سابقا على قرار الالحاق وعلى الرغم من قيام الوزارة بكل التدابير لتنفيذ الحكم. مصالح وزارة الاقتصاد والمالية التي أشرت على توقيف الأجر من طرف رئيس المؤسسة (مديربة المنشآت العامة والخوصصة) هي نفسها التي ترفض تمكينه من أجره في الوزارة (الخزينة العامة للمملكة) وهي نفسها التي ترافع بشراسة أمام محاكم المملكة (الوكالة القضائية للمملكة التي توجد تحت وصاية وزارة الاقتصاد والمالية) بتحرير مذكرات تتجاوز العشرات الصفحات للحيلولة دون تمكينه من أجرته وتطويل المسطرة وتضييع الوقت لجره إلى التشرد! هذا المسلسل الطويل الذي بدأ في أكتوبر 2014 ولم ينتهي إلى اليوم (سنتين) يخص موظفا في الدولة يشغل منصبا عموميا (رئيس قسم) يعيل أسرة من 06 أفراد (وما يحتاجه من مصاريف يومية وشهرية واستثنائية بمدينة الرباط)، عليه أن يقوم بمهامه كرئيس قسم و"يناضل" لإنجاح برامج ومشاريع الدولة ويعطي صورة إيجابية عنها، في الوقت الذي يصبح محروما من أجره وتعويضاته بدون أي سبب معقول (ما عدا رسالة مجهولة لا أحد يعلم مضمونها ولا جديتها ولا مصدرها وما يشبه تعليمات بتجميد الملف، أو ربما هكذا ..) وعليه أن يناضل في نفس الوقت لأخذ حقه من هذه الدولة وما يكلفه ذلك من أضرار ومصاريف غير متوقعة. وهو يعلم كما يعلم جميع من له علاقة بالملف بما فيهم مصالح وزارة المالية، أن هناك ظلم وتعسف وعرقلة ليس هناك في الواقع ما يبررها. لأن المعنيين بالأمر أي المؤسسة والوزارة وحتى الخازن الوزاري قاموا بالإجراءات وفق ما ينص عليه القانون بل لم يترافعوا إطلاقا أمام القضاء (حتى الخازن الوزاري غير معني وإنما إدارته هي التي أمرت بتوقيف الملف والترافع أمام القضاء عبر الوكالة القضائية) ولم يسبق لهم الطعن سواء بالاستئناف أو النقض وإنما المشكل مع مصالح وزارة الاقتصاد والمالية التي أشرت على إيقاف الراتب ورفضت استكمال اجراءات تمكين الموظف من مستحقاته المالية رغم وجود حكم قضائي نهائي! الحمد لله أن هناك قضاء نزيه ومستقل وإلا فلا أحد يدري ماذا سيكون مصير هذا الموظف. وأتساءل، هنا، إذا كانت مجرد تعليمات مبنية على رسالة مجهولة - حسب ما قيل - لديها القدرة على إيقاف إجراء إداري طبيعي وقانوني عادي وحرمان رئيس قسم بوزارة بالرباط من أجره لمدة سنتين حتى بوجود حكم قضائي نهائي محكوم بالنفاذ المعجل صدر منذ شهر 15 دجنبر 2015 وقرار رفض إيقاف التنفيذ من محكمة النقض في ماي 2016، وإذا عجزت الدولة (التي تمثلها الوزارة) عن تمكين موظفها من حقوقه المالية أمام رفض استكمال اجراءات إدارية جاري بها العمل من طرف إدارة أخرى بل ورفض الامتثال لحكم قضائي صدر بصيغته التنفيذية باسم جلالة الملك، فكيف سيكون حال مواطن من المغرب العميق (...) أمام إدارة عمومية بعقلية غير مبالية وأسلوب وتعامل وسلوك كهاته؟ خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بالبرلمان يوم الجمعة الماضية في حديثه عن الإدارة المغربية لامس مشكلة بعمق ووضع الاصبع على الداء وشخص معضلة من المعضلات التي تعيق تقدم البلاد وتطوره حيث يلخص هذه الواقعة التي عرضتها أعلاه في كلام بليغ حين قال حفظه الله: "فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها. وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي". ستستغربون من هذه القصة الواقعية وستستغربون أكثر إذا عرفتم من هو صاحبها. ويستمر النضال..