د. إبراهيم حمّامي : 17/07/2016 فشلت محاولة الانقلاب في تركيا في ملحمة وقف فيها الشعب وقيادته ومؤسساته ضد حفنة من الانقلابيين الذين أرادوا إعادة تركيا لعصور القمع والديكتاتورية وحكم العسكر. أُشبع الموضوع وما زال تحليلاً ودراسة وتفصيلات هنا وهناك، لكن ما لم يتطرق إليه أحد هو موقف الولاياتالمتحدة والدول الغربية مما جرى هناك. ونعرض هنا بعض ما رصدناه من وقائع أقل ما يقال أنها صادمة لمواقف إن لم تدل على تورط غربي فعلي في محاولة الانقلاب في تركيا، فإنها تدل على خيبة أمل لفشله. مما لا شك فيه أن فشل الانقلاب ضربة كبرى لكثيرين!! ونترك تقييم هذه المواقف للقاريء: قبل اسابيع وتحديداً في 30/05/2016 نشرت مجلة فورين بوليسي مقالاً مطولاً عن *"عن الانقلاب العسكري التركي القادم"* تتحدث فيه بشكل واضح ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. قبل يومين من محاولة الانقلاب الفاشلة، وتحديداً يوم الاربعاء 13/07/2016، قامت فرنسا بإغلاق سفارتها في أنقرة وقنصليتها في اسطنبول ل "دواع أمنية" وألغت احتفالات مقررة يوم 14/07م2016 التزمت الدول الغربية والولاياتالمتحدة الصمت المطبق في الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية، وهي التي عادة ما تسارع لإدانة اي انقلاب تحت مسميات الديمقراطية والحرية وخيارات الشعوب وغيرها من الشعارات. السفارة الأمريكية في أنقرة وفي ساعات المحاولة الانقلابية الأولى تبث رسالة على موقعها الرسمي تحذر فيها الرعايا الأمريكيين من أعمال عنف محتملة في ظل حدوث ما وصفته ب"الانتفاضة" في تركيا!!! لم تصدر أي إدانة للانقلاب من قبل الادارة الأمريكية، بل أعلن البيت الأبيض أن باراك أوباما "يتابع الأوضاع في تركيا عن كثب"؛ دون أية إشارة إلى معارضة الانقلاب، ولم يصدر الموقف الرسمي الرافض له حتى بدأت الحكومة التركية تستعيد زمام الأمور وبدأ الانقلاب في التراجع. في تحليل لها بصحيفة واشنطن بوست، نسبت الكاتبة كارين دي يونغ إلى مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية (رفضوا الكشف عن هوياتهم) قولهم إنهم كانوا "على علم بما يحدث في تركيا، لكنهم لا يزالون يحاولون تحديد آثار ذلك على عمليات الولاياتالمتحدة". وقالت الكاتبة إن "استعادة حكومة أردوغان للسلطة ربما تكون شائكة ومخيفة أكثر من أي وقت مضى". ولفتت إلى أن البيت الأبيض انتظر ساعات قبل أن يصدر بيانا قويا يعارض العملية الانقلابية في تركيا. في هذه الأثناء - أي في الوقت الذي التزم فيه الغرب الصمت المطبق رسمياً - بدأ الاعلام الغربي حملة منظمة وواضحة داعمة للانقلاب ومبررة له ومهاجمة الرئيس التركي وسياساته. البي بي سي البريطانية وأثناء تغطيتها (حتى هذه اللحظة) تكرر في كل خبر وتقرير ما يبرر المحاولة الانقلابية بشكل فاضح، واتخذت موقفاً أقل ما يقال أنه غير مهني على الاطلاق، ولم تكتف بذلك بل "بشرّت" بأن هذه المحاولة الانقلابية لن تكون الأخيرة! اليوم (الأحد 17/07/2016) خرجت *البي بي سي* بعنوان آخر "رئيس تركيا عديم الشفقة" لتكشف عن الحالة النفسية والاحباط الذي وصلوه بفشل الانقلاب، ولتجتر في تقريرها كل ما هو ضد الرئيس أردوغان أما *السي ان ان* الأمريكية فقد ذهبت لأبعد من ذلك بكثير، حيث استضافت في ساعات الانقلاب الأولى مجموعة من الشخصيات الاستخباراتية والأمنية وعلى الهواء ليتحدثوا فيما يشبه "التوجيهات للانقلابيين": ما الذي عليهم أن يفعلوه لينجحوا، مع مجموعة من النصائح كقطع الاتصالات والهواتف، والسيطرة على الاذاعة وغيرها من الأمور التي تكشف رغبة حقيقية لنجاح الانقلاب، ان لم تكن مشاركة مباشرة فيه!!! شارك في هذه التوجيهات المباشرة روبيرت بير (ضابط CIA سابق ومشارك في عدة انقلابات سابقة)، جيمس ووسلي (مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA)، الجنرال المتقاعد ويسلي كلارك (قائد قوات الناتو الاسبق في أوروبا). وكالة فوكس الأمريكية الاخبارية كانت الأوضح في ترجمة احساسهم وشعورهم بالاحباط لهزيمة الانقلابيين في تركيا، لتخرج بعنوان ربما يعكس موقف الغرب في العموم والولاياتالمتحدة بشكل خاص "آخر أمل لتركيا يموت"، ليكشف كاتبه عن أحقاد وكراهية غير مسبوقة يصعب وصفها، وليسرد مجموعة هائلة من المغالطات ليبرر الانقلاب وليدين الحكومة المدنية في تركيا بحجج أنها تريد أسلمة تركيا. جون كيري (وزير الخارجية الأمريكي) وبعد تلميحات من قبل بعض المسؤولين الأتراك لتورط أمريكي في محاولة الانقلاب، خرج ليقول أنها "محض أكاذيب" وبطريقة تطبق المثل "يكاد المريب أن يقول خذوني"! وبعد اتضاح الصورة بأن الانقلاب قد فشل، أجرى كيري اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي مولود تشاووش أوغلو للتأكيد على دعم بلاده للحكومة التركية بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي استهدفها وكذلك أيضاً لإبلاغه رفض الإدارة الأمريكية للتصريحات والتلميحات التي اتهمتها بالضلوع في المحاولة الانقلابية. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن كيري "أوضح أن الولاياتالمتحدة مستعدة لمساعدة السلطات التركية في القيام بالتحقيق في محاولة الانقلاب الفاشلة، وأكد أيضاً أن التلميحات أو التصريحات العلنية بشأن دور محتمل للولايات المتحدة في محاولة الانقلاب الفاشلة هي جميعها خاطئة وتضر بعلاقاتنا الثنائية". الصحفي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست كتب يوم السبت 16/07/2016 تحت عنوان "كيف هزم جهاز الايفون الدبابات في تركيا" ليثير بدوره الشكوك حول الموقف الأمريكي والأوروبي من الانقلاب بريطانيا (أم الديمقراطيات وأم البرلمانات) تلتزم الصمت ولا تتحدث في الموضوع والحكومة الفرنسية التي لم تدن المحاولة الانقلابية حتى اللحظة بدأت بإعطاء دروس في الديمقراطية؛ وهي التي تحكم البلاد بقانون الطواريء الذي يعطل كل القوانين بعد هجوم مسلح وقع قبل أشهر، وهو الأمر الذي رصده الناشط أنس التكريتي في تغريدة له. ما سبق هو قمة جبل الجليد لمواقف غربية تصل حد اللطم والنواح والتباكي على فشل انقلاب إن لم يشاركوا في الاعداد والتخطيط له؛ فإنهم يتباكون على فشله كمداً وحسرة. هذا هو موقف من يتشدقون بالديمقراطية ليدعموا مجرم سفاح في سوريا، ويدعموا انقلابي قاتل في مصر، ويدعموا نظاماً طائفياً في العراق ثم ليزاودوا على الجميع باسم الحرية وحقوق الانسان!!! لا شك أن هزيمة الانقلابيين في تركيا لم يشكل ضربة لطغاة المنطقة فقط، بل لداعميهم حول الكرة الأرضية فهنيئاً لتركيا انتصارها لقيمها ومبارك لشعبها هذه الصورة الحضارية الرائعة التي أنهت عهد الانقلابات هناك للأبد وتحية لقيادة هذا البلد التي أظهرت حكمة وحنكة وشجاعة ورباطة جأش والتحام مع الجماهير والعاقبة لبلادنا العربية لتتخلص من طغاتها وانقلابييها وسفاحيها ومجرميها.