مازال البحث متواصلا من قِبَل أساتذة مادة التربية الإسلامية من أجل الرقي بهذه المادة، وعقلنة العملية التعليمية فيها وترشيدها، مع إلحاحهم على المعرفة الدقيقة بديداكتيك هذه المادة، والذي يعتبر"استراتيجية تعليمية، تواجه مشكلات كثيرة: مشكلات المتعلم، مشكلات المادة، أو المواد، وبنيتها المعرفية، مشكلات الطرائق، ومشكلات الوضعيات التعليمية التعلمية"(1) فديداكتيك التربية الإسلامية هو خطة ترمي إلى تحقيق أهداف تعليمية وتواجه هذه الاستراتيجية مشكلات المتعلم. وذلك عن طريق التفكير في هذا الأخير؛ بهدف تسهيل عملية تعلمه، الشيء الذي لا يمكن أن يتم إلا باستحضار حاجات التلميذ، وتحديد الطريقة المناسبة لتعلمه، وتحضير الأدوات الضرورية والمساعدة على ذلك؛ وهو ما يتطلب الاستعانة بمصادر معرفية أخرى، مثل: السيكولوجيا؛ لمعرفة هذا الفعل وحاجاته، والبيداغوجيا؛ لتحديد الطرق الملائمة، ويرمي هذا التنظيم المنهجي للعملية التعليمية التعلمية إلى تحقيق أهداف، تراعي شمولية السلوك الإنساني. أي أن نتائج التعلم ينبغي أن تتجلى على مستوى المعارف العقلية، والمواقف الوجدانية، والمهارات الحسية/ الحركية للمتعلم.وكما تهتم أيضا بدراسة التفاعلات التي تربط بين المتعلم والمدرس والمعرفة، وذلك قصد تسهيل اكتساب المعرفة من قبل المتعلمين، وهي أيضا مجال مفتوح قابل للمراجعة، تتطور فيه المعرفة باستمرار، وعلم أساسي وتطبيقي تتقاطع فيه المادة الدراسية بين الأهداف والمحتويات وطرق التدريس ووسائل التقويم من جهة وبين أشكال اكتساب المعرفة من جهة أخرى، وقد تمكنت الديداكتيك من إرساء جهاز مفاهيمي متميز، تستعمله للقضايا التي انفردت بطرحها دون غيرها من العلوم التربوية الأخرى ومن هذه: النقل الديداكتيكي، العائق الابستمولوجي، الهدف العائق، التمثلات، المنهج التجريبي، منهج حل المشكلات، المعينات الديداكتيكية. ومن أهم الأسئلة التي ينبغي أن يجيب عليها ديداكتيك التربية الإسلامية هي: كيف ندرس هذه المادة؟ فقضية طرائق التدريس: كيف ندرس هذه المادة؟ وما هي الطرق التي تؤمن أكثر نجاعة للعملية التدريسية؟ للأسف هذا هو أهم مشكل يواجه أساتذة المادة، سواء منهم المبتدئون أو القدامى. فإذا كانت المدرسة المغربية تسعى إلى تمكين المتعلمين من اكتساب كفاءات، تضمن لهم النمو والارتقاء، فإنه يتوجب عليها أن تركز اهتماماتها، في النشاطات التي تبرمجها، على مخاطبة عقل المتعلم المغربي من خلال وضعيات مثيرة تستنفر قدراته وتستفز عقله وتحبب إليه المادة. والأستاذ المتميز لمادة التربية الإسلامية، في نظري، هو ذاك الذي يسعى إلى تحقيق أهداف برنامجه باستراتيجيات مختلفة، ورغبة منه في أن يكون تعليمه فعالا وأثره أكثر رسوخا، فإنه يضع متعلميه أمام وضعيات تنسجم مع رغباتهم وحاجاتهم وتكون قريبة من مشكلات حقيقية نابعة من حياتهم العملية التي يصادفونها باستمرار. إن الإجابة عن السؤال: "هل لمادة التربية الإسلامية ديداكتيك؟ وكيف نتمكن منه؟" سؤال صعب يقتضي وضع برامج تربوية عملية متكاملة، يسهم فيها كل المهتمين بهذه المادة سواء أكانوا مدرسين أم مشرفين تربويين أم غيرهم.... وبما أن مساحة مقالي لا تتسع لبسط تصور من هذا الحجم، إذ أنه يحتاج إلى بحوث أو مراجع أو أدوات ووسائل وتقنيات تربوية متعددة، فإنني سأقتصر على وضع ملامح أساسية لخطة تربوية تجعلنا نتمكن من تدريس هذه المادة والتحكم في الديداكتيك الخاص بها. الملامح الأساسية لخطة التمكن من ديداكتيك التربية الإسلامية: 1-كلنا يخطئ... هذا أمر طبيعي، ولكن أن نورث نحن الأساتذة معلومات خاطئة لأجيال كاملة فهذه كارثة، فما أسوأ أن تكون مدرساً للتربية الإسلامية وترتكب أخطاء ذات طبيعة معرفية أو لغوية أو منهجية، كأن تخطئ في معلومة محددة في السيرة النبوية أو تاريخ الإسلام، أو ألا تميز بين الحال والنعت، أو ترتكب أخطاء إملائية، قد يمتد أثرها إلى تحريف تعلم التلاميذ في المواد الأخرى، فهذا مما لا ينبغي التساهل فيه، بل يتعين الإسراع في معالجته. إن التمكن من مادة التربية الإسلامية لا يشمل فقط الإمام بمحتوى المنهاج الذي تُدرسه، إنما يشمل أيضاً القدرة على التوسل باستراتيجيات متنوعة لشرح مفاهيم المادة الدراسية ومهاراتها لجميع التلاميذ بسهولة ويسر، ومتابعة أحدث التطورات في المادة العلمية، واستخدام مصادر التعلم والأساليب التكنولوجية المختلفة للحصول على المعلومات والمعارف وغيرها من الأمور التي تمكن من تقديم الدرس بكل ثقة ونجاح، وكما تقول الحكمة اليابانية (يوم مع معلم عظيم خير من اجتهاد ألف يوم في الدراسة). وقد يعترض معترض قائلا، إن الأساتذة لا يتم تكوينهم فيما هو جديد، وكيف يحصلون على الجديد والمعلومات المحينة في مادتهم؟ والجواب ببساطة، هو البحث باستمرار، وتحمل الصعوبات والمشاق التي تحف هذه السبيل، فمن الجائز جدا مصادفة من يبخلون بالعلم ويحتكرون المعرفة، وذلك بدعوى الاستئثار بها والتميز، كما أنه من الجائز جدا، مصادفة الذين لا يحسنون سوى الانتقادِ، وتتبع العيوب والهنات، دون أن تكون لديهم القدرة على طرح البدائل لما يعتبرونه خطأ... إلى غير ذلك من السلوكات غير اللائقة، والتي لا يتصف بها سوى أنصافِ المثقفين، غير أن ذلك لا ينبغي أن يكون عائقا، بحيث يدفع إلى الاستسلام والتوقف، فالإنسان يقتل نفسه عندما يضيق خياراته في الحياة. 2-تنويع مصادر البحث، وعدم الاقتصار على الوثائق المتاحة، مثل التوجيهات التربوية أو حتى المصوغات الديداكتيكية المحسوبة على رؤوس الأصابع في المادة أو الدلائل التربوية أو.... بل يتعين على الأستاذ أن يكون مسكونا بالسؤال عن المعلومة وأحسن السبل الممكنة للعمل، ولا يتحقق ذلك إلا بإدمان السؤال والبحث والقراءة ضمن مشاريع تصب في خدمة تحسين الأداء. وكلما وضع الأستاذ في روعه أن التلاميذ لا يكفون أبداً عن طرح الأسئلة، واستشراف آفاق جديدة في التفكير، فإنه سيكون دوماً على استعداد حتى يستجيب لتطلعاتهم، ويطفئ غُلَّة المعرفة في نفوسهم. 3-التخطيط للدروس: التخطيط اليومي للدرس، بشقيه الذهني والكتابي أمر هام جداً، وهو واحد من مقومات نجاح الأستاذ في مهامه، ومن دون هذا التخطيط لا تتوقع أبداً أن تحقق نتائج ذات قيمة. إن صياغة الأهداف وتحديد الوسائل والأنشطة المناسبة، واختيار أساليب التقويم المختلفة، وضبط الوقت وغيرها من الأمور، بالتأكيد تساعد المدرس على إيصال رسالته، ولذلك، إن كان من العينة المتواكلة من المدرسين، الذين لا يبذلون جهدا في التخطيط لدروسهم والبحث لبنائها وإثرائها، وإنما يكتفون باستعارتها جاهزة من زملاء آخرين، فإنه لن يسهم في بناء تعلمات التلاميذ، وإرساء الكفايات الضرورة في تكوينهم. 4-إن الأستاذ المبدع في مادة التربية الاسلامية، هو الذي يقدِّر ما المطلوب منه بدقة ويدرك السبل الكفيلة لمساعدته على بلوغ أهدافه، وبالتالي فمهمته لا تقتصر على إيصال المعرفة أو ملء الروس (إنهاء المقرر)، بل إنه يتعداها إلى الإسهام في إنارة العقول وشحذ الهمم وتمكين المتعلمين من اكتساب الثقة في أنفسهم وقدرتهم على الاضطلاع بأدوار إيجابية في المجتمع، وما يتصل بها من قضايا التنمية والتعايش وحقوق الإنسان. وأخيراً ... أعلموا يا أساتذة المادة أننا نحتاج إلى تطوير الكثير من الجوانب التربوية للنهوض بديداكتيك هذه المادة، ولكن هذا لا يعني أن نزيد الطين بلة بإهمال تنمية قدراتنا ومهاراتنا. (1) محمد مكسي/الدليل البيداغوجي مفاهيم مقاربات. منشورات صدى التضامن. ط 2003. ص35