بمجرد ظهور نتائج انتخابات 4 شتنبر الأخير تعالت أصوات المحللين والمتتبعين للشأن السياسي المغربي لتحليل النتائج وتعليل ما حصل عليه الأحزاب من مقاعد. ومن بين ما أثارنا كمتتبعين وأبناء البوادي والمناطق المهمشة من المغرب هو هجوم حزب العدالة والتنمية ومناضليه على أبناء القرى والبوادي بدعوى بيعهم لأصواتهم واتهام شريحة عريضة منهم بالجهل والأمية لتبرير عدم حصول الحزب على مقاعد في العالم القروي بالقدر الذي حصل عليها الأصالة والمعاصرة والإستقلال والحركة الشعبية والأحرار. وما يمكن ملاحظته من تعليقات أنصار حزب العدالة والتنمية ومناضليه مباشرة بعد ظهور النتائج هو نعت أبناء البوادي بالجهل وعدم الوعي وبيع أصواتهم وعدم اهتمامهم بالبرامج والمخططات التي تقدمها الأحزاب وكأن بيع الأصوات يخص فقط دوائر العالم القروي ولا يعني بقية الدوائر الإنتخابية في باقي ربوع المملكة. كما أن المثير في تعليقات هؤلاء هو الزج بأبناء البوادي في خانة القاصرين الذين يبيعون ذممهم ويصوتون على الأشخاص عوض البرامج ويتناسون بأن ثقافة العالم القروي وسلوكه الإنتخابي يختلفان تماما على ما هو الحال في المدن وعقلية القبيلة والإنتماء تغلب على سلوك أبنائها الانتخابي، كما أن من بين الأمور التي لا يجب إغفالها في خطاب العدالة والتنمية ومناضليه هو تركيز هجومهم على أبناء البوادي وربط توجهاتهم الإنتخابية بالفساد والمفسدين وكأن ما جرى في المدن لم يشبه الفساد ولم يعرف شراءا للأصوات وإفسادا للعملية الإنتخابية بشكل مباشر أو غير مباشر. فهل يعي حزب العدالة والتنمية جيدا خطورة الخطاب الذي يحاول تمريره؟ ألم يطرح السؤال حول دوره كحزب معني بتوعية المواطنين وتأطيرهم كما يفعل في المدن حتى تتغير توجهات أبناء البوادي ويستميل بالتالي تعاطفهم؟ وماذا عن المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في القرى؟ هل يجوز ربطها كذلك بشراء ذممهم من قبل مرشحيه وإفساد العملية الإنتخابية في دوائرهم؟ ألم يطرح أعضاء ومناضلي حزب العدالة والتنمية السؤال عن علاقة أحوال البوادي والقرى والعزلة التي تعيشها هذه المناطق وعدم استفاذتها من نفس الإهتمام الذي تحظى به المدن بتصويتهم لصالح أشخاص بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية؟ لفهم السلوك الإنتخابي لأبناء القرى وتوجهاتهم يجب التركيز على أمر يجب على كل المتدخلين في المشهد السياسي المغربي الإعتراف به وهو أن أبناء القرى على غرار أبناء المدن من حقهم التصويت على من يشاؤون أو عدم التصويت على أي من المتنافسين وبالتالي لا يجب تقزيم وعيهم وميولاتهم. ولنفترض بأن كلام هؤلاء صحيح، وبأن الأمية والفقر والجهل ظواهر متفشية أكثر في القرى والبوادي وبأن إغراء فئة معينة من أبنائها لشراء أصواتهم وارد وبأن ثقافة المسؤولية والوعي تغيب في بيئة جاهلة وأمية، ألم يطرح هؤلاء السؤال حول هوية المسؤول عن أميتهم وما آلت إليه أوضاعهم؟ أين هي الدولة من التهميش الذي يعيشونه؟ وماذا عن المدن التي لم يتمكن حزبهم من كسب ثقة أبنائها في الجنوب والشرق والريف؟ وبمنطق خطابهم، هل أصوات هؤلاء كذلك اشتريت كلها؟ وفي الختام، يجب على حزب العدالة والتنمية ومناضليه أن يراجعوا خطابهم ويفهموا بأن أصوات أبناء البوادي ليست كلها للبيع كما يتصورون وإنما هناك حالات للشراء لا يمكن انكارها كما هو حال عدد كبير من أصوات الناخبين في المدن وهو أمر لا يمكن إلصاقه فقط بالقرى وتنزيه من صوتوا في المدن من مثل هذه الممارسات، ويفهموا كذلك بأن أهل القرى ينتظرون منهم وهم من يتحمل مسؤولية التدبير الحكومي منذ 2011 تغيير أحوالهم وعدم التقصير في الإهتمام بهم ليشعروا فعلا بأن الدولة لم تنسهم ولم تتخل عنهم في محنهم، وهو الدور الذي يجب أن تتطلع به الحكومة والإدارات الموضوعة رهن اشارتها حتى تقطع الطريق أمام أعيان المناطق النائية الذين يحسنون استغلال حاجة أهلها للعون والمساعدة في مثل هذه اللحظات الحاسمة التي تستوجب الحزم والصدق في التعامل مع صناديق الإقتراع.