1- تقديم عام : كانت المدن في الماضي صغيرة الحجم ، و كان تعداد سكانها قليلا جدا ، حيث كان من السهل أيضا أن يتعرف الناس على بعضهم البعض إلى درجة انه لو تغيب واحد من الساكنة عن المسجد أو تخلف عن مناسبة معينة ، تجد الناس يستقصون أمره و كان الوصول إليه يحصل بمجرد السؤال عنه في السوق أو استفسار أحد المارة في الطريق ، كما كانت الرسائل مضمونة الوصول بدون عنوان . اليوم ، مع اتساع المدن و كثرة السكان و مع تنوعهم و اختلاف أصولهم و مشاربهم ، و اتساع حركة التجارة و الصناعة ، فإن تلك الطريقة القديمة في الوصول إلى الهدف ، أصبحت خارج دائرة الزمن . فالدول اليوم ، تلجأ إلى اعتماد تخطيط معاصر لمدنها و حواضرها وفق معايير مدققة من خلال تقسيم الاحياء و رسم الشوارع و تحديد الأزقة تحديدا ثابتا لا يتغير مع الزمن . ابتدأت تقنية تخطيط الحواضر بالدول المتقدمة منذ قرون ، و يتضح دلك مثلا من خلال بعض المراسلات و الروايات الأدبية لبعض كبار الكتاب و الأدباء ، حيث يتم ذكر بعض العناوين في بعض المقاطع من رواياتهم تدل على دقة الاهتمام بتفاصيل عناوين المقرات و المساكن في مرحلة تاريخية معينة . تطورت هذه التقنية مع مرور الزمن الى أن وصلت إلى أقصى درجاتها مع تطور العلم و المعرفة . فاليوم مثلا ، لا يخلو بلد أروبي من استعمال أنظمة ...gps المتطورة خصوصا مع ظهور " سياسة المدينة و التنمية المجالية " ( سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع في مقال سابق ) . هذا النظام لا يحدد فقط موقعك ، و إنما يمكن أن يحدد لك أفضل طريقة لبلوغ وجهتك ، و قد تم إدخال هذا النظام في السيارات و التي توفر للسائقين و منهم سائقي الطاكسي خرائط تفصيلية للأماكن و الشوارع التي يتواجدون بها ، و أقصر الطرق التي ينبغي سلوكها أثناء تنقلاتهم اليومية ، فكل شيء مخزن في ذاكرة الجهاز بشكل مذهل يحيل على عمل جبار و دقيق للمسؤولين عن تهيئة و تعمير المدينة سلفا . هذه المعلومات كلها و المتعلقة بالمدينة ، تم تجميعها في أنظمة معلوماتية متطورة أعطت من خلالها هوية دقيقة لكل حي و لكل زقاق و كل مسكن ، كما تم تفصيلها في شكل خرائط مركزة تمكن الزائر و السائح و صاحب الحاجة من الوصول إلى مبتغاه بكل سهولة . 2 - مشروع التسمية في التخطيط المعاصر للمدن : عمل يقتضي الاحترافية و العلمية بعيدا عن العشوائية : مخطئ من يعتقد أن مشروع تسمية الاحياء و الشوارع و غيرها بالمدينة ، عمل اعتباطي لا يرتهن بالدقة و التخصص . فالتسمية تعطى لجهة أو لجنة مقتدرة و على قدر عا ل من الاختصاص و الحكمة و الثقافة و المعرفة بالمجال بالإضافة إلى بعد النظر . وهو أيضا عمل مرهون بالمصلحة العامة بعيدا عن المجاملة و المزاجية التي تقتل المشروع و تحكم عليه بالإعاقة منذ البداية ، مما سيؤثر سلبا - دون شك - على مستقبل الحاضرة بشكل من الأشكال . و خير مثال أسوقه في هذا الصدد ما وقع بالدار البيضاء الكبرى عندما لاحظ مجلس المدينة منذ حوالي سبع سنوات أن بعض الاحياء تحمل أسماء تؤثر سلبا على تاريخها و قاطنيها . كدرب " الجناوة " و درب" الفيران " و درب " الجران " و كلها مكتوبة على صفائح معدنية معلقة ، أي أنها معتمدة . هذا ناهيك عن الكثير من التسميات الاخرى التي تمتزج فيها العاهات بالبشاعة كدرب " العوجا" ... و تطرح سؤالا كبيرا : " أي خيال ضحل كان وراء إطلاق هذه الاسماء ، و أي لجنة نابغة تكلفت باعتماد هذه الاسماء و الصفائح المعدنية المثيرة للغرابة و الاشمئزاز ؟ " . و " كيف لشركة أو مقاولة أن تقبل مترشحا تحمل بطاقته الوطنية عنوانا به " حي التقلية " و تتخلى عن مترشح من حي " كاليفورنيا أو لوازيس" ؟ " .. لقد فطن المجلس الى هذه الفروقات و الاسماء المخلة بالحياء و الباعثة على التقزز ، مدركا أن مجلس المدينة هو المكلف قانونيا بتسمية الاحياء و حتى تغييرها و بشكل تشاركي أيضا . من هذا المنطلق ، فإن وضع قواعد و ضوابط ثابتة للتسمية و التحديد يجب أن يكون هاجسا أساسيا تنطلق منه اللجنة إلى أسلوب في تثبيت العناوين . و يقر المتخصصون في التنمية المجالية و سياسة المدينة أن تكون الاحياء و الأزقة مضبوطة لا تشوبها ازدواجية في التسمية ، و أن تكون هذه الأخيرة على قاعدة الشوارع الرئيسية الطولية مثلا و الشوارع الرئيسية العرضية في شكل أرقام متسلسلة تزداد باتجاه معين و تتناقص في الاتجاه العكسي. كما يرى المتخصصون اليوم ضرورة التمييز بين الشوارع و الممرات و الساحات الصغيرة التي تتوسط بعض الأحياء . فالأولى تسفلت ، و الثانية يمكن أن ترصف و الثالثة تسور بسور لتحقيق الفائدة التخطيطية من سياسة المدينة . هذا ناهيك عن عدم تغيير بعض الاسماء المرتبطة بالبيئة المحلية أو المستمدة من تاريخ الحي و قاطنيه . إضافة الى ضرورة اعتماد اللوحات الإرشادية لإضفاء الفنية على عمل الترقيم و التسمية خدمة لتسهيل الوصول الى العناوين بكل يسر و سلاسة ... إن هذه الأمور كلها تسهل طبعا وصول الخدمات البريدية ، و الإطفاء و الاسعافات الطبية و سيارات الشرطة و فواتير بعض الخدمات و الصحف و المجلات و مراسلات المدارس إلى أولياء الأمور و دعوات اجتياز المباريات بالدقة و السرعة اللازمتين . كما تقطع هذه الأمور مع العادات و الطرق البدائية المعتمدة من طرف الساكنة كاللجوء إلى إسم بقال الحي أو حمام الدرب لكي يكون نقطة انطلاق في إرشاد زائر الى مكان ما ، الشيء الذي يؤثر سلبا على الخدمات المهمة السالفة الذكر . 3 – المشروع الأخير لتسمية الأزقة و الأحياء بأزيلال : عمل أعرج غيبت فيه المقاربة التشاركية عمدت بلدية أزيلال مؤخرا إلى تنفيذ " مشروع تسمية الأحياء و الشوارع و ترقيم المساكن و الأزقة " ، و الذي يقول المجلس أنه كان محط دراسة طويلة قبل المصادقة الأخيرة على إخراجه الى حيز التطبيق . المشروع مهم جدا من حيث الغاية و الهدف ، لكنه - في نظرنا – معتل من حيث اختيار بعض الاسماء ، خصوصا ما تعلق منها بالشوارع و الاحياء . ساكنة بعض الأحياء كحي الزيتون نموذجا ، انتقدت المشروع بشدة و استغربت كثيرا من الطريقة الانفرادية و الموغلة في" الانانية " كما عبر عنها أحد المواطنين . إذ أن مشروعا كهذا يتم فيه إشراك الفاعلين الجمعويين و لجان الاحياء ، و ليس بهذه الصورة المفاجئة و المباغتة . فقد تم تغيير " الزيتون " باسم " الفرح " في طمس تام لهوية حي كان في الماضي مكسوا بأشجار الزيتون و اللوز . عمر الحي يمتد لعشرات السنين ، و الكل يعرفه باسم " حي الزيتون " ، كما أن العديد من المنشآت تحمل اسمه كالحمام العمومي و مطحنة الحبوب و مصبنة الملابس . بالإضافة إلى كون جميع الاوراق الثبوتية للدور السكنية في الحي مدونة بها عبارة " حي الزيتون " ، و لربما نجد التسمية القديمة معتمدة في صكوك ملكية المنازل . فهذا التغيير إلى " الفرح ! " ، قد يخلق مشاكل في تحديد مواقع الأملاك و العقارات .. إن هذا العمل العشوائي ينم عن ضيق في الأفق الفكري ، لم يستحضر تاريخ الحي و تعلق أغلب الساكنة به منذ طفولتهم الأولى . و في هذا الصدد ، نشير إلى أن مجموعة من العمال المكلفين بتركيب بعض اللافتات الحديدية الحاملة للتسميات الجديدة ، كانوا قد تعرضوا لمضايقات من مراهقي و شباب حي الزيتون ، حيث قال أحدهم لأحد العمال : " دير السمية ديال ( علي بويدوكان ) ، الله امسخكوم ..." . و هناك من كتب على بعض الجدران : " حي البيجوع فالصندالا " ... إنه الغضب ، إنه الرفض ، إنه الاشمئزاز.. ! أما في أحد أزقة نفس الحي ، فقد عمدت اللجنة المحترمة إلى تعليق اسم " شارع السراغنة" ! الشيء الذي أغضب ساكنة هذا الركن الجنوبي من الحي ، خصوصا و أن كل قاطنيه تقريبا منحدرين من أمرصيد ، بوكماز ، إبراغن ، وزاوية أحنصال ... باستثناء شخص واحد من نواحي العطاوية ! . " آش هاد التخربيق ؟ " يصيح عاليا ( محمد . أ ) من ساكنة الحي في وجه أحد العمال . مثال آخر للتسمية الغريبة و التي امتعض من رؤيتها الكثير ، و هي شارع " سيدي بوهادي" ! . لقد انتقلنا إلى الحي الذي يحمل هذا الاسم بالقرب من القاعة الرياضية المغطاة ، و سألنا أحد المسنين عن هذا الشخص الذي يفترض من اسمه أن يكون وليا صالحا أو شيئا من هذا القبيل ، فأجاب أن هذا الشخص أتى مبكرا الى المنطقة و كان اسمه " البوهالي " ، فتغير اسمه مع الزمن لينطق " بوهادي " ، و لما توفي دفن بمكانه المعلوم ، و تعودت الساكنة بعد ذلك على مناداته ب" سيدي بوهادي" كلما مرت بالقرب من قبره ... رواية الشيخ تبين من جملة ما تبينه أن الشخص رجل عادي لا يرتبط اسمه بأي شيء إيجابي أو تاريخي ... يستحق عليه أن يسمى الشارع باسمه . و كان من الممكن أيضا تسمية النهج باسم " أزيلال القديم " مادام يمر من وسط هذا الجزء العتيق من حاضرة المنطقة . كما أن تسمية الشارع الذي يؤدي إلى حي تيشيبيت ب " بلاتان " ، بكل ما تقدمه الكلمة من عسر في النطق ، لكونها أجنبية ، يوضح أن اللجنة المكلفة بوضع الأسماء لم تكن عند حسن ظن المواطنين الذين يعرفون اسم " البلوط و العرعار الفواح و الصفصاف " أكثر من "البلاتان" القادم من كندا . لا بد أن نشير الى أن بعض الاسماء لقيت استحسان المجتمع المدني و الحقوقي على وجه الخصوص ك " أحمد الحنصالي " و " محمد الفقيه البصري " ، بالإضافة الى بعض التسميات ذات البعد القومي ك "الجولان" و "القدس" ، رغم أن بعض هذه الشوارع تحتاج الى إعادة ترميمها بشكل يليق بالتسمية التي أطلقت عليها ، إذ أنها متآكلة و كثيرة الحفر . السيد رئيس المجلس البلدي أكد بخصوص التسميات المقترحة على أنه كان يحبذ شخصيا أن يتم استعمال أسماء قديمة جدا خصوصا بالأحياء . أسماء تمتح من تاريخ عريق لبلدية أزيلال : " تاكرارت" ، تاغجدادامت" ، " إغير نيكاداين " .. و لكن – يضيف الرئيس – هذه الاسماء قليلة العدد في مقابل كثرة عدد الاحياء ، الشيء الذي سيطرح مشكلا في التغطية الكلية للأحياء باستعمال هذه الأسماء الضاربة في عمق تاريخ المدينة . على أي ، و رغم واقعية المبرر ، فقد كان مفيدا إضافة هذه الأسماء القديمة . إذ ما أحوج الجيل الجديد للتعرف على الدلالات التاريخية للأسماء السابقة الذكر ، و أسماء أخرى ك "لابروال" ، التحريف اللفظي لكلمة..l'abreuvoir الذي يعرف تاريخه القليل من أبناء الجيل الحالي . يبقى الأهم هو أن غياب خطة و إستراتيجية ، و كذلك عدم إشراك فعاليات المجتمع المدني في مشروع تسمية الأحياء و الشوارع بأزيلال من أجل اختيار أسماء مناسبة و ذات دلالة ، سيؤثر فعلا على حياة ساكنتها بشكل قد لا يبدو واضحا و ذا أهمية للكثير من أعضاء اللجنة التي تكلفت بهذه المهمة التي لا يستهان بها كما استهانت بها اللجنة للأسف الشديد . إن مدينة أزيلال حاضرة في أوج شبابها ، و تتسع لأكبر عدد من الاسماء الدالة لأخذ دورها في تسمية الشوارع و الأحياء الجديدة في المستقبل . لذا ، نرجو عدم تكرار مثل هذه الهفوات الكبيرة النابعة أساسا من الاستهانة بموضوع يكتسي من الحساسية ما لم يخطر على بال أعضاء اللجنة البلدية المحترمة .