يعد هذا الكتاب مرجعا هاما لمريدي الفكر اليساري برمته، معتدلهم ومتطرفهم. ويعد من أوائل ما يقرأه الطالب الملتحق حديث بالجامعة، والذي تلقفته أيدي الفكر " التقدمي ". ونحن هنا لا ننتقد هذا الاستقطاب بل نشجعه ونؤيده على أن يكون استقطابا مبنيا على فكر حجاجي متين، لا كراهية مطلقة وجذرية لكل ما ديني. ولقد حاولت تذكر كتاب أو نص ما قرأته منذ مدة ليست باليسيرة بعد فراغي من قراءة بوعلي ياسين وثالوثه المحرم: الدين، والسياسة والجنس. كان هذا الكتاب الأخير يصف المشهد وكان ذاك الذي أحاول تذكره يجسد هذه التمثيلية. إن ما يدعونا إليه بوعلي تستطيع التحقق منه بقراءة ذاك الكتاب، فكأن بوعلي يضع سيناريو فيلم قديم قدم الإنسان. سيناريو يجعلك تائل نفسك: هل ما يدعونا إليه فكر تقدمي أم رجعي؟ ثم ما الرجعي في نظره؟ وما الرجعي في نظرنا؟ وما الرجعي الحقيقي؟. أما الجواب فمتروك للقارئ بعد أن يلحظ الشبه الكبير بين كتاب " الثالوث المحرم " وكتاب " البدائية" ، لأشلي مونتاغيو ( ترجمة د. محمد عصفور). لماذا العلمانية؟ إن قراءة لهذا الكتاب تجعلك تكتشف النوايا الخبيثة للفكر العلماني، ولست هنا في معرض الاتهام دون دليل، فإني سأقدم الأدلة كما هي مسطرة في الكتاب كي يصل صوت الحقيقة و يخبو الكذب الصراح. من أجل بناء مجتمع عادل، ومن أجل بناء مجتمع المساواة في الحقوق والواجبات، ومن أجل التوزيع العادل للثروات، ومن أجل التخلص من سيطرة حكم الفرد الواحد، ومن أجل نبذ العصبيات على اختلاف أشكالها، ولتحقيق وحدة إنسانية مرجعيتها حقوق الإنسان...كلها أهداف نبيلة تضعها العلمانية نصب عينيها. لكنكم لا تصرحون عادة بما يصرح به بوعلي ياسين، اسمعوا قوله: " و لذلك الآن فصل الدين عن الدولة والسياسة والعلم ...لكي لا يُستغل الدين( كلام جميل)، ولكي نتمكن من إقامة مجتمع عصري يتعايش فيه جميع أبناء الوطن بشتى دياناتهم، ولكي نرضي الحاجات الإنسانية على أفضل وجه، وفي مقدمتها حاجة بقاء الذات وحاجة الجنس، على طريق تحقيق سعادة الإنسان التي هي غاية ذاتها ولاغاية فوقها".(ص 34). إن هذا الكلام يعني الحرية المطلقة، و هي من صميم الإيمان العلماني ومن أركانه، وهذا يناقض تعريف الحرية لدى مبدعي عصر الأنوار، وإن الفكر العلماني إذن يناقض آراء من سبقهم و أسسوا للدولة الحديثة، وعلى رأسهم منتيسكيو،الذي يحمدون له تفصيله في فصل السلط. لقد قال عن الحرية : " هي حق فعل كل ما تبيحه القوانين، فإذا ما استطاع أحد الناس أن يصنع ما تحرمه القوانين فقد الحرية، وذلك لإمكان قيام الآخرين بمثل ما فعل" ( حقوق الإنسان، ص 40، سلسلة دفاتر فلسفية، نقلا عن روح القوانين لمنسيكيو).