ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب ''الإسلام والحداثة''


الفهرس
أولا: من حيث الشكل
1/ الغلاف
2/ العنوان
3/ حجم الكتاب
4/ تاريخ إصدار الكتاب
ثانيا: من حيث المضمون
السؤال الأول: ما معنى تسليمُ الحداثة؟
المعرفة
كيف أكون؟
المال
الحكم
إشارات
أولا: من حيث الشكل
1/ الغلاف
كان الغلاف منسجما بشكل كبير مع مضامين الكتاب وأهم الأفكار التي أراد الكاتب التأكيد عليها وتوضيحها، خاصة والكتاب من الكتب الحوارية التواصلية التي الهدف منها مد جسور التواصل والتعارف مع الأخر المختلف، ومن ثم كان لا بد أن يكون شكل الكتاب وغلافه محفزا مشجعا بل وباعثا على قراءة الكتاب واكتشاف أهم مضامينه .
- اختير للغلاف اللون الأزرق الفاتح لون السماء الصافية المبتهجة في صباح باكر ليوم من أيام الصيف الزاهية، إنه صفاء الروح ووضوح الفكر الذي ميز الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، إنه ابتهاج وفرح بالله دائم ومتواصل بسبب اليقين في نصر الله وتمكينه، اليقين في أن المستقبل سيكون أفضل.
- يتوسط الغلاف صورة للكرة الأرضية وهي تسبح في هذا الكون الشاسع الرحب، واختير لها اللون الأبيض لون الفطرة، لون السلم والسلام الدي سيعم العالم إن شاء الله، وفوق الكرة الأرضية قليلا يطل هلال شهر جديد يرجو العالم خيره وبركته، واختير للهلال اللون الأبيض وهو منسجم مع لون الكرة الأرضية، وكأن السلم والسلام الذي سيعم الكرة الأرضية إن شاء الله سببه حركة إسلامية منبعثة وليدة ما الهلال إلا رمز لها، حركة إسلامية لم يشتد عودها بعد هي في حاجة إلى بذل الجهود، إلى العمل المضني والجهد الدؤوب، إلى الخبرة والكفاءة حتى تقدر على تغيير ما بالعالم من ظلم وفقر وجهل وعنف وغفلة وبعد عن الله، يومئذ يفرح العالم بهذه الحركة الإسلامية المُحبة للإنسان، يومئذ يصير الهلال بدرا يعم نوره العالم إن شاء الله.
- فوق الهلال قليلا وفي أعلى الغلاف نجد عنوان الكتاب بلون أصفر ذهبي يلمع بريقه من بعيد: "الإسلام والحداثة'' إشارة إلى أن هده الحركة الإسلامية المنبعثة تستمد مشروعيتها وقيمتها من الإسلام بما هو وحي قرآن ونبوة، ومن الحداثة بما هي مجهود بشري وتجديد لا بد منه لتنزيل هذا الوحي على واقع متغير متبدل، اللون الأصفر اللامع هو نور كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلام، نور الإسلام رسالة السلام والعدل والخير للبشرية جمعاء، هذا النور شمل الحداثة أيضا، أي أنه سيشمل قلب كل إنسان ليبعث فيه حب الله والاشتياق إلى لقائه، سيشمل كل مجهود مبذول لخدمة دين الله ونصرة المستضعفين من عباده .
- في أسفل الغلاف من جهة اليمين كتب اسم المؤلف "عبد السلام ياسين" رحمه الله رحمة واسعة، الرجل الذي أفنى حياته خدمة لدين الله ونصرة للمستضعفين من عباده، هو الذي كان نموذجا في التواصل والتعارف، كانت يده ممدودة للجميع، وبيته مفتوح في وجه جميع الفضلاء والشرفاء، إيمانا رسخا منه أن التغيير لا بد فيه من مشاركة الجميع دون إقصاء لأحد، كتب اسمه في أسفل الغلاف تواضعا وافتقارا، وإشارة إلى أن مع سنة الأخذ بالأسباب وإتقانها لا بد من التوكل على الله وتفويض الأمر له فلا ناصر ولا هادي إلا هو سبحانه.
- في ظهر الغلاف كتبت فقرة مأخوذة من توطئة الكتاب (ص: 9) وأريد لها أن تعرف بالكتاب، تؤكد الفقرة على أن صيغة "تسليم الحداثة" مفهوم نسج خيوطه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في ثمانينيات القرن الماضي بهدف دفع الإنسان عموما والإنسان الغربي خصوصا إلى طرح الأسئلة المصيرية بل والإجابة عنها. أسئلة: من انا؟ ومن أكون؟ إلى أين أسير؟ ماذا أصير بعد الموت؟ وأيضا للتأكيد على أن الحركة الإسلامية هي يد متوددة للإنسان، مُحبة للإنسان، حاملة رسالة الإنصاف والعدل للإنسان.
2/ العنوان
* من حيث اللغة:
من الناحية التركيبية: العنوان مركب عطفي، بين اسم معطوف (الحداثة) واسم معطوف عليه (الإسلام)، وإعرابيا فإن المعطوف يتبع المعطوف عليه في حركاته الإعرابية من رفع ونصب وجر، وقد تبعت "الحداثة" "الإسلام" في حركته الإعرابية: الرفع. فهل ينعكس هذا المعنى على دلالة العنوان؟
* من الناحية الدلالية: حرف العطف (الواو) يفيد وجود علاقة بين المعطوف والمعطوف عليه، فهل هي علاقة تقابل وتضاد أم علاقة تكامل وانسجام؟ فما هو الإسلام؟ وما هي الحداثة؟:
- الإسلام رسالة الله الخالدة للإنسان تخبره بأن له خالقا، وأنه خُلِق لدور ووظيفة هي تحقيق العبودية الكاملة لله. أما الحداثة فهي اجتهاد ومجهود بشري نسبي وناقص، له إيجابيات كما له سلبيات.
- الإسلام رسالة المعنى لعالم ضائع تائه بين دروب حياة الدنيا .الإسلام تذكير الإنسان بشكل دائم وأبدي بالأسئلة المحرقة المصيرية: من أنا؟ وما أكون؟ وإلى أين أسير؟ وماذا أصير إذا مت؟ أما الحداثة فهي انشغال دائم ومتواصل بكيفية تحقيق التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، بكيفية تحقيق الربح وتراكم الثروة حتى ولو كان ذالك على حساب كرامة الإنسان.
- الإسلام رسالة سلام لعالم عنيف. عالم لا يهمه إلا تحقيق المصالح والمنافع حتى ولو كان الثمن حياة الإنسان وقيمه. أما الحداثة. فهي قمة ما وصلت إليه البشرية من حيت القوانين والمؤسسات التي من شأنها أن تضمن السلم والسلام داخل العالم، إلا أنها أيضا قمة ما وصلت إليه البشرية من حيث نوعية الأسلحة والمعدات الأشد تدميرا لحياة الإنسان.
- الإسلام رسالة الروح للإنسان المريض بحداثته، المدمن على إشباع الغرائز والشهوات المعجب بما ينتجه من آلات وأدوات .المغرور بتقدمه المهووس بالاستهلاك والاستمتاع. الإنسان الذي تناسى أنه مجرد مخلوق ضعيف ناقص عاجز في حاجة إلى من يأخذ بيده إلى من يوجهه، في حاجة إلى رب يحميه من شر نفسه، سبحانه لا إله إلا هو.
- الإسلام لا تُسمع كلماته اليوم بسبب ظروف التخلف التي يعيشها المسلمون. والحداثة رمز للاجتهاد والمجهود الذي لا بد منه من أجل النهوض بهذه الأمة والرقي بها إلى مصاف الأمم المتقدمة، حتى تسمع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله .
- الإسلام رمز لحركة إسلامية منبعثة في العالم لا تعتبر الغرب عدوا مطلقا ولكنها يد متوددة للإنسان مُحبة للإنسان حاملة رسالة الإنصاف والعدل للإنسان.
- الإسلام رمز لحركة إسلامية هي أمل الأمة ومستقبلها هي أمل المستضعفين المظلومين في مشارق الأرض ومغاربها. والحداثة رمز للإمكانيات الكبيرة المتاحة أمامها، إمكانيات التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، إمكانيات القوانين والمؤسسات والانتخابات النزيهة والشفافة، لكن الحداثة هنا أيضا هي رمز للعقبات التي تعترض الحركة الإسلامية. عقبات الخضوع والتبعية الاقتصادية والتفافية والسياسية لمراكز القرار العالمي. عقبات الإقصاء الممنهج بحجة العلمانية واللائيكية.
3/ حجم الكتاب
الكتاب من الحجم المتوسط المشجع على القراءة، عدد صفحاته 353 صفحة، موزعة بين توطئة ومقدمة وثمانية فصول، وخاتمة. تحت كل فصل تنتظم مجموعة من العناوين هي بمثابة إشارات حول أهم الأفكار التي يعرضها الفصل. كما تم اختيار عناوين الفصول بعناية فائقة ودقة عالية، حتى تكون ملخِصة وجامعة لكل المعني والدلالات التي يتناوله الفصل بالشرح والتحليل.
4/ تاريخ إصدار الكتاب
صدر كتاب "الإسلام والحداثة" للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله باللغة الفرنسية في شهر يونيو عام 1998، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية من طرف مجموعة من الأساتذة لتصدر النسخة العربية في شهر مارس عام 2000.
ثانيا: من حيث المضمون
سياق تأليف الكتاب: جاء تأليف الكتاب في سياق مزدحم بالأحداث والوقائع، إن على المستوى المحلي والوطني أو على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى المستوى المحلي فالحركة الإسلامية تعيش الحصار والتضييق، والمؤلف مُحاصَر في بيته محروم من حرية التنقل والحركة. ومن جهة أخرى فالمغرب يعرف أزمة خانقة على جميع المستويات وهو مهدد ب "السكتة القلبية"، وجيء بحكومة "التناوب" الشكلي و"الانتقال الديمقراطي" المزيف، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وعلى المستوى الإقليمي فالهوة بين الفقراء والأغنياء داخل المجتمعات العربية تزداد اتساعا، وأعداد المعطلين والمهمشين تزداد ارتفاعا، ولا أمل للتنمية المنشودة يلوح في الأفق رغم. وعلى المستوى الدولي فالنظام الليبرالي الرأسمالي في أوج هيمنته، والإنسان الغربي معجَب بتقدمه العلمي وتطوره التكنولوجي، غير آبه بمسألة الأخلاق والقيم، غير مستعد لطرح الأسئلة المصيرية على نفسه ومحاولة الإجابة عنها: من أنا؟ إلى أين أسير؟ ماذا أصير بعد الموت؟. بل وأكثر من ذلك، في هذا السياق (1998) أصبحت وسائل الإعلام الغربية تروج بشكل كبير لأطروحة "صراع الحضارات" وبدأت التصريحات العدائية والتنظيرات المغرضة التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام وتضليل الرأي العام العالمي. في هذا السياق ألف الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله كتاب "الإسلام والحداثة".
خصوصية الكتاب: إن هذا الكتاب من الكتب التواصلية الحوارية التي يهدف من خلالها المؤلف إلى مد جسور التعارف والتفاهم مع الآخر المختلف الذي له تاريخ خاص وتصور خاص للكون والإنسان، تواصل وتعارف يؤدي إلى احترام متبادل لخصوصية كل طرف، إلى اعتراف متبادل بالآخر.
وتجاوز سياسة الإقصاء الممنهج والتراجع عن أطروحة الصراع. فالعالم يتسع للجميع، والمستقبل لحضارة المحبة والعدل والإنصاف للإنسانية.
أهم القضايا التي يطرحها الكتاب: يجيب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله من خلال هذا الكتاب عن سؤالين أساسيين: ما معنى تسليمُ الحداثة؟ وكيف تسليمُ الحداثة؟
السؤال الأول: ما معنى تسليمُ الحداثة؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تعريف الحداثة: ما الحداثة؟ تم ما الفرق بين الإيديولوجية الحداثية والحداثة التقنياتية؟ ألا يمكن أن نستفيد من الحداثة دون أن نتخلص من عقيدتنا وهويتنا؟
يعرفها الفيلسوف الفرنسي آلان تورين بأنها "ثورة الإنسان المستنير على التقاليد إنها تقديس للمجتمع، خضوع لقانون العقل الطبيعي، أي إنجاز للعقل، للعلم خاصة، للثقافة والتربية. لذلك يجب أن تنحصر أهداف السياسات الاجتماعية التحديثية في تعبيد الطريق التي يسلكها العقل بإلغاء التقنينات والموانع الحرفية والحواجز الجمركية" [1].
يؤكد الفكر الحداثي - حسب تورين- "أن الكائنات البشرية تنتمي إلى عالم تحكمه قوانين طبيعية يكشفها العقل ويخضع لها في نفس الآن، ومن ثمة يصبح الشعب مرادفا للأمة، لجسد اجتماعي يخضع اشتغالُه هو أيضا لقوانين طبيعية، مما يلزمه بالتخلص من الأشكال غير التنظيمية التي تحاول كسب الشرعية بالتمسح بوحي أو بقرار غيبي" [2]، كل مالم يكن موافقا لنظرة الفكر الأوحد إلى العالم كان باطلا مناقضا للقانون "الطبيعي"، فوجب تنحيته عن الطريق، ليفسح المجال للحق. "عتيق يتبدل به جديد".
"ثلاث أسلحة إذن تتكون منها ترسانة الحداثة الحديثة: سلاح النقد الذي تشغله الايديولوجيا الحداثية، والسلاح الرأسمالي الذي يعبد صنم الربح، والسلاح المادي لإخلاء الطريق أمام الرأسمالية والأفكار التي تبنيها" [3].
"النقد الايديولوجي أفتك الأسلحة الثلاث لأنه يهاجم كل قديم ويحكم عليه بالبدائية لأنه يقوم على الغيب الذي يجب لفظه باعتباره خداعا يستند إلى وحي أو قرار متعال عن البشر، بذلك يكون الإسلام مستهدفا مباشرة من طرف الحداثة مادام يقوم على وحي مقدس، وما دامت مرجعيته هي رسل الله عليهم السلام" [4].
في الإسلام لا وجود للكهنوت، والفصل بين الدين والدولة لا موضع له فيه، لسبب بسيط هو أن الولاء لله عز وجل لا يحتاج عندنا إلى الوساطة من أحد، فالقضية كانت أبدا شخصية، والعلاقة بالله كانت دائما مباشرة. فالإسلام لا يعترف بالعلمانية واللائيكية.
رغم المحاولات البائسة اليائسة التي تحاول إبعاد الشعب عن قيمه ومبادئه، والتي بدأت مع دخول الاستعمار وتستمر إلى اليوم بأشكال وألوان مختلفة فإن الشعوب الإسلامية تقاوم بل وتستميت في الدفاع عن دينها بأدوات وأساليب مختلفة، ولنا في الشعب الجزائري خير مثال، 130 سنة من الاستعمار ومن التخريب للقيم من أجل فصل الشعب عن هويته. وفي العقود الأولى للاستقلال ومع أو تجربة ديمقراطية نزيهة يصوت الشعب للإسلاميين فوقعت الكارثة وأصبح الشعب متهما وبدأ التعذيب والقتل، وتنكر الغرب لقيم "الحداثة" للحرية والديمقراطية.
وسيظل الجرح الفلسطيني وصمة عار في جبين الإنسانية، سيبقى دعم أوربا وأمريكا لنشأة "دولة إسرائيل" على حساب تهجير الشعب الفلسطيني المسلم دليلا قاطعا على زيف شعارات الحداثة، سيبقى الابتلاء الفلسطيني مثالا واضحا على حقيقة نظرة الغرب للإسلام والمسلمين، وهو أيضا حافز يستنهض همم المجتمعات العربية والإسلامية حتى تهب لتحرير الأقصى.
"لقد سلكت أوربا العجوز طريقا طويلا لتجاوز عصرها الوسيط وتمر إلى عهد الحداثة، لكن لا حق لها في أن تنكر علينا سلوك سبيل آخر... فلتقبلنا أوربا العجوز كما نحن، ولنلج التعاون كما نريد دون أن تفرض علينا أية شروط لها، وحق الاعتراف المتبادل والاحترام التام كفيلان بتنحية الصعوبات وإتمام تبادل مثمر في جو تسوده الكرامة وتأمين مصالح الطرفين" [5].
وبعد سؤال "ما معنى تسليم الحداثة؟" ينتقل الأستاذ رحمه الله إلى الإجابة عن سؤال "كيف تسليم الحداثة؟" من خلال رسم الملامح العامة للمشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمجتمع العمران الأخوي. ذلك من خلال أربع عناوين كبرى: المعرفة. كيف أكون، المال، الحكم.
المعرفة
- إن المعرفة الغربية تبحث للإجابة عن جميع الأسئلة إلا سؤال لم الحياة؟ ذلك لأنها تنطلق من مسلمات عدمية تعتبر ألا معنى للحياة ولا أساس للأخلاق، مسلمات دوابية تعتبر بأن الإنسان ليس سوى حيوان متطور لم يخلقه أي إله من عدم.
ينتظر العالم رسالة تمنح للحياة و للكون معنى، إن تسليم الحداثة يبدأ بكشف الغشاوة لتتضح الرؤية وليرتفع الانزعاج المرضي الذي يعترض الرسالة الإلهية ويقمع الصوت الداخلي الذي ينبعث من أعماق كل واحد منا.
- الوحي وحده يمكننا من طرح الأسئلة الوجودية الصائبة والإجابة عنها: لماذا وجدت؟ ما مصيري بعد الموت؟ ما واجبي؟ كيف أستعد للحياة الأخرى؟ بأي أخلاق أسير في المجتمع؟
- "يسمى القانون الإسلامي ''شريعة'' أي طريقا يسلكه المؤمن الخاضع لله، سير منضبط، منهج حياة"[6].
- إن التفقير المادي والخلقي الذي تعاني منه مجتمعاتنا يستدعي عدالة اجتماعية مثلما يتطلب إحياء تربويا لأن الانحطاط المادي مصدره البؤس الخلقي والثقافي.
- "لا بد من كشف الداء لإحياء الإيمان و ضخه في قلوب و عقول أجيالنا الشابة لا بد من فضح المسلمات الدوابية التي تجعل من الانسان مجرد قرد راقي لا غاية له في الحياة سوى الرفاهية و المتاع... لا بد من محاربة هذه المسلمة ومناهضة الثقافة التي تستلهمها" [7].
كيف أكون؟
- هل تستطيع المجتمعات البشرية أن تعدل مسارها وتتحكم في مستقبلها؟ أم حكم عليها بالخضوع للتغيير الذي يفرضه عليها منطق التطور الشامل للعالم؟ هل يخضع المسلمون للحداثة باعتبارها حتمية تاريخية مع ما يصاحب ذلك من نتائج أخلاقية واجتماعية أم أنهم يستطيعون التخلص من القبضة الحداثية؟
- "تفرض نظرة الإسلام إلى العالم وإلى الانسان أن يكون لهذا الأخير مهمة وواجب مناقضان تماما لما تحدده له النظرة الحداثية فالفرد في المجتمعات الحديثة غاية لذاته، غاية وجود المجتمع أن يلبي رغباته ويشبع حاجاته وواجب وجوده هو يتلخص في احترام القانون الذي ينظم الحياة الاجتماعية المتغيرة باستمرار" [8].
- بينما يعتبر النموذج الأمثل للمجتمع الاسلامي الذي علينا أن نبنيه القيم الأخلاقية والروحية محركا وغاية في نفس الوقت للمشروع الفردي والجماعي، لا بد إذن من عمل دؤوب يسعى لتكوين الأجيال الشابة إعادة صياغتها لا بد من تربية الأطفال وتنشئتهم على معاني حب الله وحب رسول الله، لا بد من العناية بالمرأة حتى تسترجع مكانتها لتشارك في عملية التغيير والبناء.
- المعرفة يجب أن تنسق الأنظمة المدرسية والقانونية والسياسية والإعلامية جهودها في أرض الإسلام ليهيمن النموذج الاسلامي على العقول وعلى القلوب، على الأعراف والعلاقات الاجتماعية، على العمل وعلى تصور مكانة المرأة، لا بد من تشجيع الحياة الجمعوية في المجالات الخيرية والإنسانية[9].
المال
- المال في عالم الحداثة في يد المؤسسات الدولية، في يد أصحاب الشركات المتعددة الجنسية، الذين لا يهمهم سوى تحقيق المزيد من الربح، في يد حفنة من الأغنياء المترفين الذين لا يهمهم سوى إشباع الغرائز وتحقيق الملذات، أما الغالبية العظمى من سكان العالم فهي تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش.
- أموال الأمة وثرواتها في يد الحاكم المستبد ينفقها على الشهوات أو يهربها إلى الخارج و الأمة تتخبط في مستنقع الفقر، مرضنا يتجسد في: "سوء توزيع الثروة والخدمات وشتى أنواع الظلم والفساد المعمم... لكن هذه الأعراض البالغة الخطورة لا ينبغي أن تحجب عنا جذور الداء... شفاؤنا وصعودنا رهينان بثقتنا بالله ثم بقيمنا" [10].
- "كل محاكاة لا تبالي بخصوصية الاسلام وغاياته، لن تقود في أرض الاسلام إلا إلى الخيبة ثم الكارثة، وكل جهد – مهما تكرر- يرمي إلى الاصلاح دون تحكيم الأخلاق في الحياة الاجتماعية والعائلية والسياسية سيؤول حتما إلى الفشل، ولنعتبر بالمجتمعات الغربية الرأسمالية التي تعاني من مصائب نبه إلى خطورتها أكثر المفكرين الغربيين نباهة" [11].
الحكم
- "ليست طموحاتنا محدودة بموعد انتخابي أو تناوب على السلطة لأننا نعلم أن تغيير حكومة أو دستور معين لا يكفل إلا حل أزمة عرضية إن كفل وهيهات!" [12].
- "أفقنا التغيير العميق الذي لا يمكن أن تبنيه وتقوده بعون الله إلا حركة مباشرة متواصلة... مشروعنا بعيد المدى والتغيير العميق الذي يتم بواسطة التربية والإقناع لا يمكن أن يعاش إلا بعد مخاض عسير"[13].
- "بدل الرضا بدستور ممنوح، سيكون من اللازم انتخاب جمعية تأسيسية بواسطة التصويت الشعبي عقب نقاش طويل لا تستثنى منه أي تشكيلة سياسية أو شخصية مستقلة، ولكي لا يكون الدستور المناقش في الجمعية والمعروض للاستفتاء مجرد ورقة تتلاعب بها الرياح لا بد من تغليق قانوني (أي الرفع من نسبة الأغلبية البرلمانية الضرورية لإصلاح الدستور) يحول دون اللجوء إلى لعبة المراجعات كلما ألهبت تقليعة جديدة المخيلات، لتتمكن السلطة الحارسة للدستور من ضمان الاحترام الدقيق للدستور" [14].
- "لكن تغير مراكز اتخاذ القرار لا تكفي لحل المشاك الاجتماعية والاقتصادية، لأن إصلاح النظام الساسي وفك تمركزه لا يمكن وحدهم أن يضمنا الشغل للشبا العاطل إذا لم يصاحبهما إصلاح عميق للذهنيات، وتحسيس تشارك فيه بقوة السلطة السياسية الإدارية والمؤسسة المركزية المتمثلة في المسجد" [15].
إشارات
- تسليم الحداثة يعني الأخذ بيد هذا الإنسان المسكين المغرور بتقدمه العملي وتطوره التكنولوجي، حتى يتمكن من بلوغ الحقيقة الكبرى، حقيقة أن الإنسان كرمه الله وأسجد له ملائكته وخلقه ليقوم بوظيفة العبودية لله عز وجل، وأن هناك حياة أخرى بعد الموت وهناك وقوف بين يدي الله عز وجل وحساب، فإما جنة وإما نار، تسليم الحداثة يعني أن يمارس الإنسان حقه الأكبر حق معرفة الله ومحبته والشوق للقائه.
- تسليم الحداثة يعني أن يصبح القرآن الكريم كلام الله هو المحور، هو الموجه لجميع مناحي حياة الإنسان المعرفية العلمية، الاجتماعية والثقافية، الاقتصادية، والسياسية...
- تسليم الحداثة يعني تحقيق التوازن بين مكونات الإنسان الثلاث (الروح، الجسد، العقل) تحقيق التوازن بين تأليه العقل وتقديسه وإقصائه وتغييبه، بين تدمير البيئة واستغلاها بشكل مفرط وعبادتها وتقديسها، بين الفردانية والأنانية المفرطة والانصهار الكلي في الذات الجماعية حيث الفكر الأوحد والحزب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.