· الحديث · (إنا لمُدركون) · (كلا إنَّ معي ربي سيهدين) · (فقُلنا اضرب بعصاك البحر) · "نحن أوْلى بموسى منكم" · شُكرُ النِّعم الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لمّا قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئِلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم"، وأمر بصيامه". ( إنا لمُدرَكون )2 إن يوم العاشر من محرم هو اليوم الذي أنجى فيه الله سيدنا موسى وبني إسرائيل من فرعون وجنوده ، إنه اليوم الذي نصر فيه الله عز وجل الحق وأبطل الباطل ، يوم ظن بنو إسرائيل أنهم مدرَكون وأنْ لا تباشير للنصر والنجاة تلوح في الأفق، خاصة أن فرعون وجنوده اقتربوا منهم والبحر يحاصرهم، هذا الموقف صوره الله تعالى في سورة الشعراء في قوله تعالى (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) شكٌّ وريب وعدم ثقة في نصر الله عز وجل ، إنه ابتلاء منه تعالى حتى يمحص ويميز الصادق من المنافق، المتوكل على الله الموقن بنصره من المعتمد على حوله وقوته . ولعل ما تمر به الأمة اليوم في ظل هذا الحراك المبارك هي في أمس الحاجة إلى من يعيد لها الثقة واليقين في الله وفي نصره وتمكينه ، رغم ظروف الاضطهاد والإذاية والتعذيب التي يعاني منها كل من انحاز إلى جانب الحق وأظهر الولاء لله وللمؤمنين وأبدى الاستعداد للدفاع عن المستضعفين. إن شباب الأمة اليوم في حاجة إلى استحضار المعية الربانية فهو الناصر لا إله إلا هو، خاصة وهم في مقدمة من يبذل نفسه في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله ونصرة المستضعفين. إن ما يحدث في مصر اليوم من قتل واعتقال وتعذيب لكل حر أبي قال : "الركوع لا يكون إلا لله" لابد له من صبر وتحمل وتفويض الأمر لله ، مصر السيسي "الفرعون" الذي يقول بلسان حاله " أنا ربكم الأعلى" ولم يأخذ العبرة الخالدة من فرعون" رمسيس الثاني" الذي أغرقه الله بعد ما عاث في الأرض فسادا وفي الخلق استعبادا، وما ذلك ببعيد عن كل طاغية جبار مستكبر. يخذله الله تعالى وينصر الحق وأهله. وانتصار الحق يحتاج إلى الأخذ بالأسباب وإتقانها . ومن الأسباب : التوكل على الله واليقين في نصره ، فعلى شباب مصر وليبيا واليمن وسوريا الجريحة ألا يستكينوا ولا يهنوا فهم الأعلون إن شاء الله وهم المنصورون. نَعمْ الظلم كبير والجرح عميق والأعداء المتربصون كثر (أعداء الداخل والخارج) هذه سنة الله في كونه لابد من دفاع الناس بعضهم ببعض ، لابد من اختبار ، لابد من تمحيص ، لابد من صبر وتحمل ، لابد من سنة الأخذ بالأسباب وإتقانها ، وبعد هذا وقبله لابد من التوكل على الله وتفويض الأمر له فما النصر إلا من عنده . (كلا إن معي ربي سيهدين)3 مع سنة الأخد بالأسباب وإتقانها لا بد من استحضار المعية الربانية فهو ناصر المستضعفين وولي المتقين الذي يسمع ويرى كل ما يتعرض له عباده . فسيدنا موسى قال لبني إسرائيل عندما شككوا في نصر الله تعالى "كلا إن معي ربي سيهدين "، يقين تام منه عليه السلام في نصر الله .يقين لم يشوش عليه خوف بني إسرائيل بل زاده ثباتا. ومن تم على الأمة -اليوم- وهي تستحضر ذكرى عاشوراء كذكرى للنصر أن تتعلم أن اليقين في الله وفي نصره وتمكينه واستحضار المعية الربانية في كل فعل وخطوة هو من الأسباب التي لا بد منها، من أجل النجاة من ويلات الفقر والجهل والأمية، إذا لابد من تربية إيمانية تعلمنا ما معنى أن يكون القلب مرتبط بمولاه والجوارح منصرفة لخدمة دين الله، منصرفة لإتقان الأسباب المادية الأرضية التي من شأنها أن تساهم في تقويض دعائم الباطل وبناء دولة الحق والمساواة . (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر)4 بعدما ظن قوم موسى أنهم مدركون وأنهم سيردون إلى التعذيب والتقتيل على يد فرعون وجنوده، جاء نصر الله وأي نصر، يفرق الله لهم البحر يمرون من داخله ثم يغرق فرعون وجنوده وهم ينظرون . على شباب الأمة أن يدرك أن النصر آت، وعدا من الله، إنه لا يخلف الميعاد، و أن مصير الظالمين المستبدين هو الغرق في ويلات ما كسبت أيديهم. إن الله يمهل ولا يهمل وها هو فرعون مثال خالد إلى قيام الساعة لكل متجبر مستبد قال "أنا ربكم الأعلى" بلسانه أو بحاله ، فقط يجب أن يكون منا نحن العمل بسنة الأخذ بالأسباب وإتقانها وقبلها وبعدها استحضار المعية الربانية واليقين في نصر الله وتفويض الأمر إليه . "نحن أولى بموسى مِنكم" : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود "نحن أولى بموسى منكم" إشارة بليغة إلى تثمين الإسلام لكل الفضائل التي توجد في الديانات الأخرى ، إشارة إلى تسامح الإسلام واحترامه لخصوصية الآخرين. فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على اليهود ما كانوا يقومون به من سلوكيات وعادات تنسجم وخصوصية معتقداتهم، ومن هذا نتعلم أن الدولة الإسلامية هي التي تحترم خصوصية الآخرين ولا تفرض الدين على الناس قهرا بل اختيارا ومحبة وتعظيما. الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تتعايش داخلها جميع الخصوصيات وتحترم جميع الديانات، ليست هي تلك التي يصورها الغرب أنها دولة قطع اليد وخلق مجتمع من المعاقين، دولة اللاّحرية، واللاديمقراطية ، ، وباختصار هي ما يسميه اليوم الغرب (داعش) ، هاته الصنيعة المخابراتية التي الهدف منها تشويه صورة الإسلام والإسلاميين، تصوير الإسلام أنه دين عنف وقتل، والإسلاميين رموز للتشدد والتطرف والإرهاب ، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) 5. شُكرُ النِّعَم شكراً لله صام سيدنا موسى العاشر من محرم، شكرا لله على نعمة إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نعمة هلاك الظالمين المتجبرين الفراعنة، وإراحة البلاد والعباد من شرهم، فصامه اليهود لصيام سيدنا موسى عليه السلام . وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم. والأمة اليوم قاطبة تصوم هذا اليوم لما فيه من أجر وثواب وشكرا للمنعم الوهاب . الأمة اليوم تحتفي بذكرى عاشوراء وهي ترزح تحت حكم الظالمين المستبدين الفراعنة، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، يُحاربون دين الله وينهبون ثروات الأمة وخيراتها. لعل شكر الأمة اليوم يقتضي إتقان سنة الأخذ بالأسباب حتى تقويض دعائم الباطل وبناء دولة الحق والعدل ، يقتضي الإقبال على الله والتقرب إليه بالفرض والنفل ، فهو الناصر لا إله إلا هو، يقتضي إعداد القوة من العلم والمعرفة والكفاءة والخبرة لتنهض أمتنا وترقى إلى مصاف الأمم المتقدمة. بقلم زهير بن الطالبة 1. أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . 2.3.4 الآيات 61،63،64 من سورة الشعراء 5. الأنفال، الآية 30