يعد فن الإصغاء، حلا لأغلب المشكلات التي تتعرض لها بعض العلاقات الاجتماعية سواء في الأسرة، المدرسة، العمل ، أوفي ما يتعرض له الإنسان على وجه العموم خلال مسيرته التاريخية، فبالإصغاء تذوب مشكلات، وتختفي نزاعات–سواء ظهرت أم توارت- أو كانت على وشك البروز. إن هذا الفن أصبح فقها مغيبا في مجتمعاتنا، نظرا لانشغال أغلب الأسر والمؤسسات بفنون الكلام والتواصل أحيانا، وأحيانا أخرى بسبب إكراهات الوظيفة والعمل والأدوار التي يؤديها الآباء داخل الوسط الاجتماعي الذي يتحركون فيه، والنتيجة الحتمية لغياب فن الإصغاء هي: خلل اجتماعي وظيفي وبنيوي داخل المؤسسات التربوية والأسرية، والإعلامية و هلم جر... طبعا هذا بشكل عام، لكن الحاجة اليه تبدو أكثر أهمية في مجال التدريب ، لأن المدرب في مجال التنمية الذاتية و البشرية مطالب بتطوير ذاته في هذا الفن ، و من خلاله تطوير غيره من المتدربين و المدربين..... فإلى أي حد يعد الإصغاء حلا للمشكلات والخلافات التي طفت على سطح مجتمعاتنا وبيوتنا وأسرنا؟ و ما هي أهميته ودوره بالنسبة للمدربين و المدربات ؟ و أين تتجلى ثمراته؟ وما هي مستوياته ؟ ثم أين تتحدد بجلاء الخطوات العملية لهذا الفن؟ وما السبيل إلى اكتسابه؟ أهمية فن الاصغاء: إن أهمية الإصغاء تتجلى لنا بوضوح من خلال الدور الذي يقدمه بشكل عام للفرد والمجتمع، للكبير والصغير، وبشكل خاص للمدربين و المهتمين بمجال التدريب و التنمية البشرية، وذلك بخلق جو من التواصل والتآزر...وكسر الجليد بين المدرب و المتدربين وجمهوره و محبيه، وتزداد قيمته عندما يكون هذا الفعل، أي فعل الإصغاء سببا في بث روح التعايش، ونشر أشكال التضامن بين فئات المجتمع و متدربيه ، ويكفي أن نشير إلى أن فن الإصغاء يدخل الآن في صلب اهتمامات البحث السوسيولوجي والسيكولوجي ، والأبحاث التي تجرى الان في مجال التدريب و هندسة التواصل البشري. ثم ان أهمية الاصغاء تظهر لنا في كونه : - وسيلة فعالة تمكن المدرب والأب، والأستاذ، و المربي وهلم جرا ، من فك رموز المتحدث وما يريد التحدث عنه. - مارسه الأنبياء والرسل في مواطن كثيرة وفي مجالات مختلفة، وكان على رأسهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. - آلية من آليات حل الخلافات الزوجية، والأسرية، و التعليمية... أهداف الإصغاء: عموما إن أهداف الإصغاء متعددة ومتنوعة حسب عموميتها ، لكن بإمكاننا أن نتواضع على إجمالها في هذه الغايات التالية: ï التحصيل العلمي و المعرفي والتدريبي : ومثال ذلك إصغاؤنا لمحاضرة، وحضورنا لدرس تربوي، دعوي، أو لدورة تكوينية أو أمسية تدريبية معينة. ï تنمية الحب الأسري والعائلي: كأن نصغي باهتمام للأبناء والزوج والزوجة بغية توطيد المحبة وأواصر المودة داخل الأسرة... ï تعديل السلوكيات الخاطئة داخل المجتمع: وهنا يكون الإصغاء بدافع نشر الاطمئنان والمحبة للمتكلم حتى يتسنى له الحديث بأريحية تامة، قصد اقتناص قلبه وجذبه والدفع به لتغيير سلوكياته. إن تعدد اهداف و مجالات الإصغاء تدل دلالة قطعية على أهميته وضرورته في بناء مجتمع راشد و تشكيل مدرب وازن ومتميز في مجال تخصصه التدريبي. لكن المشكلة الرئيسية التي بتنا نعاني منها الآن هي أننا تعلمنا فنون القول والكلام، وتدربنا على الحديث والنقاش، لكن معضلتنا الحقيقية هي أننا لم نتعلم فن الإصغاء والاستماع. لذا كان من اللازم علينا أن نتعلم كيف نصغي و ننصت. فيا ترى ما هي الخطوات الفعالة لإجادة الإنصات؟ وما هي الطرق الكفيلة التي تؤهلنا لكي نغترف من هذا العلم الجم و الرائع؟ مستويات الاصغاء : تقدم معنا أن الاصغاء له أهمية في عملية التفاهم و الحوار، و يعد عاملا أساسيا لفهم الاخرين ،و ضرورة أخلاقية و انسانية لسبر أغوار الغير قصد التأثير عليه أو التعامل معه .لكن تجدر بنا الاشارة الى أن "معظم الناس يصغون الى الطرف الاخر أُثناء مناقشة مشكلة ما، دون أن يكون هدفهم الحقيقي هو الفهم، بل الرد على ما يقال"، ولهذا استطاع استيفن أر كوفي تقسيم مستوى اصغائنا الى الطرف الاخر الى مستويات وهي: ü - التجاهل التا م لما يقوله الطرف الاخر. ü - التظاهر فقط بالإصغاء له: أي مع الايحاء بالرأس او الموافقة الأتوماتيكية على ما يقوله دون فهم. ü - الاصغاء الاختياري/الانتقائي: بمعنى أننا نصغي فقط الى بعض أجزاء الحديث، التي تهمنا أو تفيدنا دون أن نصغي الى ما لا يروقنا أو ما لا يخدم أغراضنا. ü - الاصغاء الحرفي: أي الاستماع للكلمات فقط دون أن نحاول فهم الموضوع ككل. ü - الاصغاء المتفهم: و هو الاصغاء الجيد و الفعّال بهدف الفهم الحقيقي للمشكلة من وجهة نظر الطرف الآخر(المتكلم) و ليس بهدف الرد على ما يقال أو اسداء النصح وإثبات أننا دائما على صواب. ü - الاصغاء المتعاطف: وهي درجة أعلى من الاصغاء "المتفهم" و تتميز بالتعاطف مع الطرف الآخر حتى فبل أن نستمع لوجهة نظره، وقد يكون لصفته أو لقربه منا أو محبتنا له1 إذن بناء على هذا التقسيم ، و من خلال هذا التحديد يبدو أن الاصغاء المتفهم مرغب فيه، بل نجده مطلوبا في مجال العمل و في العلاقات العامة سواء مع من تجمعنا بهم علاقة عمل أو علاقة مجاورة أو ان شئت فقل علاقة صداقة، لكن في الحقيقة عندما نتحدث عن التدريب أو الأسرة أو عن الآباء أو الأبناء أو في حقل الدعوة الى الله عز و جل فيبقى من اللازم اللازب استحضار الاصغاء المتعاطف، وهذا كله لحكمة جليلة و غاية رفيعة تتجلى فيما ذهب اليه ستيفن ار كوفي بقوله "اذا تدربت بالتدريج على فن الاصغاء المتفهم أو المتعاطف فاستمعت الى وجهة النظر الأخرى بتفهم حقيقي فان دلك يجعل نصيحتك دائما محل تقدير الآخرين و ثقتهم.....لأنهم سوف يحسون أنك على الأقل اخدت وجهة نظرهم في الاعتبار، وحتى أنك و ان اختلفت معهم في مشاعرهم وآلامهم، كما تهتم بمصلحة العمل أو الأسرة ككل"2. الحاصل إذن أننا نعيش مشكلة فعلية لا يختلف حولها مدربان "أننا تعلمنا فن الحوار و تدربنا على الكلام ، و ما تعلمنا فن الاستماع "3 خطوات الإصغاء الفعال : أ- أن نستمع بصدر رحب لما يقوله المتحدث. ب- ألا نفقد التركيز بسبب ردود فعلنا على ما يقال. ج- ملاحظة حركات جسم المتحدث الصامتة د- أن نركز على المعلومات التي يتم إعطاؤها. ه- أن نكون مستعدين بدنيا للإصغاء.(4) ï "نتعمد الاستماع. ï نمنع عقولنا أو أفكارنا عن الشرود. ï نركز على ما يقال. ï نقاوم انصراف انتباهنا إلى شيء آخر"(5) ï عدم مقاطعة المتحدث حتى ينتهي من كلامه. ï الصبر أثناء الإصغاء للآخر، حتى يتسنى لنا فهم خطابه فهما كليا دون اختزاله في حركات ميمية ودون تجزيئه أو تحويره. ï التحرر من الأحكام المسبقة صوب ما يقال. ï بذل الوسع والجهد لفهم المتحدث مع إبداء قدر من التعاطف في عملية الإصغاء، والابتسامة الطيبة في وجه المخاطب. تأسيسا على كل ما سبق نستطيع أن نخلص إلى قيمة و أهمية و دور فن الإصغاء في تشكيل مجتمع راشد، ونموذج خالد، وصناعة المدرب الأفضل القادر على ممارسة فعل التدريب بجودة عالية و بأداء أفضل ، كما نستطيع أن نصل الى هذه القاعدة الذهبية :وهي أن "الإصغاء فن ومهارة إيجابية ووصفة أخلاقية، فلنتعلمها". 1- ستيفن ار كوفي : العادات السبع للنجاح كيف تنجح في العمل و الاسرة؟، اعداد و تقديم عمار الدسوقي ص:151 2- ستيفن ار كوفي : العادات السبع للنجاح كيف تنجح في العمل و الاسرة؟، اعداد و تقديم عمار الدسوقي ص:152 _تجدر الإشارة هنا إلى أن ستيفن ار كوفي ذهب الى التأكيد على أن الاصغاء :"لا يعني تتبع الكلمات التي يقولها الطرف الاخر بإمعان ...حيث ان الخبراء يقدرون بأن الكلمات لا تشكل أكثر من %10 من وسائل الاتصال أو التفاهم بين الناس ، بينما تمثل نبرة الصوت حوالي % 30 .كما تمثل حركة الوجه و اليدين و الجسم عموما حوالي 60% من هذه الوسائل "، الشاهد عندنا أنه لا يكفي بأن نصغي للآخر بأذاننا فقط و لكن المطلوب فعلا هو أن ننظر اليه و نمعن النظر فيه ، و لابد ايضا من تفهم مشاعره عبر التعاطف معه و الاحساس به عن طريق القلب ، قبل الانشغال يومها فيما سوف يكون جوابا عن تساؤلاته و قبل أن نهرع الى تقديم التوجيه بطريقة عمودية. 3- التدريب القيادي- هشام الطالب ص 204. 4- نفس المرجع ص 205. 5- حتى يتحقق النجاح في تطبيق هذه الخطوات، لابد من التذكير بأمر أساس حتى تسهل علينا عملية الإصغاء وهو ضرورة معرفة الفروق بين الجنسين في عملية التحاور والتفاهم بحيث نجذ في بعض الإحصاءات أكدت على أن المرأة تحب أن تتكلم أكثر بكثير من الرجل، بحيث قدر معدل المرأة في اليوم ب 24000 كلمة.في حين أن متوسط كلام الرجل في اليوم هو 8000 كلمة. إذن هذه الإحصائيات تؤكد بوجود فروق بين الرجل والمرأة، وبالتالي فإن عدم الإلمام بها والأخذ بها سيكون له تأثير في تطبيق الخطوات التي أشرنا إليها سالفا.