إنه أول أيام الربيع، و منذ أن داعبت أهدابي أنفاس الصباح المتنهد و أنا أفكر فيك يا أمي. ألا ترين ما أجمل هذا اليوم؟! اكتست الأشجار العارية زهورا نثرت عبيرها في كل الأرجاء، و تسابقت العصافير لتنشد أغنية الصباح، و لبست الأرض ثوبها الأخضر البهي لتحتفل بعيدك يا أمي! دعيني أخبرك في عيدك، في أول أيام الربيع، أنك كهذه الأرض يا أمي! كحديقة غناء، بهية بطلتك..، كتألق الأرض في جميع الفصول أنت: جميلة في كل حالاتك..، و كزيتونة مباركة أنت.. معطاء في ضيقك و رخائك. كالنخلة أنت في شموخك، كأشجار الأرز التي لا تركع لقسوة البرد أنت.. في صمودك...، و كالفلين أنت، لا تغرقين في بحور الضلال و الباطل لأنك صوت الحق، و الحق كالفلين.. لا يغرق! أنت الأرض يا أمي، و أنتما معا رمز الحياة! ففي رحمك ابتدأت و إلى رحم الأرض سأنتهي... من طين الأرض استويت و ما أنا إلا قطعة منك و امتداد لك. دعيني ألزم حضنك كما أفعل عندما تلتصق جبهتي بتراب الوطن..، دعيني أرتوي من حبك مثلما تسقيني الينابيع النقية من مياهها المتدفقة من أعالي الجبال، و كما يتنفس العالم من غابات الأرض.. ابقي، كما أنت، لأنك رئتي! ما أجملك يا أمي! في نقائك أنت كزهرة الياسمين البيضاء، كالسنبلة الملأى التي تنحني تواضعا للأنسام العابرة.. كحقول القمح التي تتغني بالمساء. عيدك سعيد، و العيد أنت، لأنك هدية السماء! فلا عجب أن تحتفي بك الأرض و أبناؤها و سكان الفضاء، و لا عجب أيضا، إن كنت الأرض، أن تكوني بداية فصل الحب و الأمل و الروعة، و العطاء. سأذكرك دوما يا أمي، و أينما ذهبت سأجدك: بين أشجار البامبو و فوق طيات التلال، في حقول الأرز أو في جبال لبنان، على ضفة النيل و حتى فوق قمة جبل تبقال.. سأجدك يا أمي، و متى ما حل الربيع و أنا بعيدة عنك سأراك في قطرات الندى و حبات الثرى الطاهرة التي تحتفي بعيدك يا أمي.. لأنك الأرض.. لأنك أرضي!... و حينها سأرتمي في حضن الربى المخضرة الهادئة، و كمحمود درويش سأغني: "أحن إلى خبز أمي و قهوة أمي و لمسة أمي و تكبر في الطفولة يوما على صدر يوم و أعشق عمري لأني إذا مت، أخجل من دمع أمي! خذيني، إذا عدت يوما وشاحا لهدبك و غطي عظامي بعشب تعمد من طهر كعبك و شدي وثاقي.. بخصلة شعرك بخيط يلوح في ذيل ثوبك.. عساي أصير إلها إلها أصير.. إذا ما لمست قرارة قلبك! ضعيني، إذا ما رجعت وقودا بتنور نارك.. و حبل غسيل على سطح دارك لأني فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك هرمت، فردي نجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع.. لعش انتظارك! خولة العمراني 21 مارس 2014