هو أنسي الحاج, الطائر الصداح في سماء لبنان, أنس القراء بإبداعاته الزاخرة طيلة حياته, لون صفحات الصحافة بالإبداع الجميل ورسم خرائط بوحه على خطوات الأمل متجاوزا السراب ... هو الطائر المحلق في فضاءات الشعر,يوقظ بها الأرواح في وطن الوحي, يعبق سماء العرب بعطوره الشجية.. هكذا يرحل الشعراء.. بصمتٍ باذخ، ويرحل أنسي الحاج بكبرياء عالٍ, يموت و ينتهي النبض, بل لا يموت, يعود و يؤسس من الحب و الشعر حقولاً من سنابل عمره، لا تموت ولا تفنى, سنابل تختال و تميل مع نفحات وشطحات دموع على أوراق ورود عند انبلاج النور القمري الباذخ... انه رحيل طيفي, يجتاز أعتاب السماء و يدخل الحياة, و ينثر ملايين البراعم و اللآلئ الندية من الحب و الكلمة المقدسة تنضح بهاء, و الجمال المنبثق من كلام الرحمان يحيي الأرواح, و تبعث في القلوب فجاجا خضراء تسترسل فيضا من الربيع الأخاذ, في وطن يتحدى الظلام و الخوف و الجزع... انه الموت , قاس بسلطته, مرير بحقيقته, ومؤلم بفجائعيته,عندما يحط رحاله على أجساد يختارها , فانسي الحاج لم يمت, أسدل أهدابه و غاب بعيدا عن الشفق...خرج من هذا المنفى و اعتنق الشمس في غروبها, تسبق باقات نسمات و تراتيل ملاكات تؤثث روحه العذبة,و تنثر أمامه العبرات و النظرات الخاطفة لحظة وهج الحب كما ولادته وسط فيض الحب المطلق... تخسر لبنان أحد أعلامها الذي أطفأ شمعة الحياة السابعة و السبعين, وخلف ذكريات وأعمالا غنية ستدرس لسنوات, وتشهد له بروحانيات العشق و الهيام... هو قلم أغرق لبنان في فيضانات البيان,و تفتقده برهة,ويترك بسمات تتألم تحت ظلال سطور تسمعه يهمس همسات تخفق قلبها: "لن أكون بينكم لأن ريشةً من عصفور في اللّطيف الرّبيع ستكلّل رأسي وشجر البرد سيكويني وامرأة باقية بعيداً ستبكيني وبكاؤها كحياتي جميل" أنسي الحاج أحد رواد "قصيدة النثر" في الشعر العربي المعاصر وكاتب صحفي نسج المقالة بخطوط الشعر,صدر له أول ديوان "لن" عام 1960,وديوان "الوليمة"1994, "الرأس المقطوع",ماضي الأيام الآتية","الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع", "ماذا صنعت بالذهب,ماذا فعلت بالوردة؟"هي إبداعات ستبقى شاهدة على اختراعه للغة و الشعر و الكلمة, له كتابين, وله أعمال ترجمها إلى العربية منها مسرحيات شكسبير و يونسكو و دورنمات ...وترجمت له قصائد الى مجموعة من اللغات... إنه خالد بكلماته, نضب بإضافاته في ذاكرة الشعر العربي و العالمي, و سيظل في وجدان الأجيال العربية مشرقا و مغربا و خليجا طائرا صداحا, يتناسل مع نسمات صباح بهي...