لا زلنا كمواطنين بسطاء لم نلمس بعد ما بشر بها دستور 9 مارس 2011 إذ لا زالت النتائج لحد الآن متواضعة ولا ترقى إلى تطلعات الشعب ولا تستجيب لإنتظاراته ، لأسباب عديدة منها، على سبيل المثال لا الحصر، فشل القادة ( إذا جازت تسميتهم كذلك ) السياسيين الذين ورثوا السلطة بعد الحراك الشعبي الذي عرفته البلاد عام 2011 في إنقاذ الوطن من محنه وأزماته المستمرة.. لقد أصبح كل همهم خدمة الأهداف الحزبية والفئوية الضيقة، و للأسف الشديد فان بعض القادة السياسيين شخصنوا الحياة السياسية ، وبدلا من تطبيق برامجهم الانتخابية ، إذا بهم يحولون العمل السياسي إلى حلبة للصراعات الشخصية و أصبحت الساحة السياسة بذلا من ان تكون ميدانا للمنافسة الشريفة ، مسرحاً لتبادل الاتهامات و أضحى كل واحد يلقي اللوم على الآخر ويحمله مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية و...و.. . واستمرت هذه المساجلات والمشاحنات في جميع المناسبات بما فيها الأعراس والمآتم .. كما ان تصدع الأغلبية الحكومية و تبادل الاتهامات بين بعض القوى السياسية طيلة فترة الأزمة دليل على الإفلاس السياسي بالمغرب ، وما تأخر تشكيل الحكومة الجديدة إلا دليل على أن هناك جهات أخرى تتدخل في العملية السياسية، و أن مختلف القوى السياسية لا تسلم من تدخلات وتوجيهات تلك القوى الخارجية و يبقى رأيها وموقفها خاضعا لضغوطات الجهة او الجهات التي تتحكم في خيوط اللعبة بدليل عودة عدد من التكنوقراط لشغل مناصب هامة داخل الحكومة المعدلة ، وطغيان منطق الإرضاء في توزيع المناصب الحكومية وهو ما يعتبر تراجعا عن المسار الإصلاحي الذي كنا نتمنى ان تسير فيه عقب إقرار الدستور الجديد ، كما أن الطريقة التي تمت بها إدارة الأزمة والتي سمع عنها وتابعها المغاربة ، وما رافقها من قيل وقال ومن تشنجات ومن شد حبل وما أفضت إليه دليل آخر على أن الكتل السياسية المغربية التي وصلت إلي موقع القرار في الحكومة المغربية لم تنجح في خلق التنسيق والتعاون للنهوض بالمصالح العليا للوطن وبقيت حبيسة الحزبية والتطلعات الشخصية الضيقة الرامية إلى الاستحواذ على اكبر قدر ممكن على الحقائب الوزارية والوظائف الحكومية الكبيرة ولو اقتضى منها الأمر التضحية بمبادئها وببعض زعمائها . و بذلك تحول مفهوم تنزيل مضامين الدستور الجديد عند بعض السياسيين إلى صراع واضح على السلطة . و من رحم هذا الصراع خرجت الحكومة الجديدة التي وزعت فيها الحقائب وفقا لبوصلة تراعي المحاصصة والأهواء ومصالح هذه الجهة او تلك ، ولا يهمنا من ذلك كله في هذا المقام سوى حقيبة وزارة التعليم لما تمثله من أهمية بالغة لجموع المواطنين ولمستقبل أبنائهم علاوة على ما تمثله من أهمية في بناء الإنسان المغربي باعتباره محور التنمية البشرية القادر على المشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد ونظرا كذلك لما تحويه الحقيبة من ملفات هامة وساخنة عالقة تتصدر أولويات المرحلة القادمة. و إبان المفاوضات حول التعديل / التطعيم الحكومي انقسمت تكهنات الشارع التعليمي إلى ثلاثة اتجاهات بحيث كان المهتمون العاملون بالتربية والتعليم يتوقعون خروج محمد الوفا خصوصا بعد خطاب 20 غشت و إسناد المنصب لواحد من رجالات المخزن لتصبح وزارة سيادة ، فيما راج بشدة اسم " أنس بيرو " من حزب الحمامة كوزير للتعليم للفترة القادمة فيما ذهبت بعض التكهنات إلى امكانية اختيار وزير التعليم من حزب المصباح ، ، والغريب في الأمر انه لم يتم تداول أي اسم من اطر وزارة التربية الوطنية المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والصرامة والجدية ونظافة اليد لتحمل هذه المسؤولية ، و كأن الكفاءات مقتصرة على تلك الوجوه التي رأيناها تتقلب في المناصب عدة مرات وتتناقل الحقائب الوزارية ، و لا يمكن قراءة التشكيلة الوزارية الأخيرة في بعض تعبيراتها على أساس الكفاءة إذ ليست وحدها هي معيار الاختيار دون تجاهل معيار المحاصصة البغيضة وتدخلات الأيادي الخفية ، والدليل ما صرح به رئيس الحكومة من اقتناعه ب "كفاءة" محمد الوفا و "وطنيته " الذي اقترح للاستمرار في تحمل حقيبة التعليم ، وفي أخر لحظة حيث تم إسقاط اسمه وتم استبداله بالسيد " رشيد بملختار" فهل يحتاج النهار إلى دليل ؟ وفي اعتقادي وبغض النظر عن قواعد اللعبة السياسية ، فإنه ليس المهم عندي من يكون وزيرا ، المهم ان يكون الوزير "مواطنا" ، إذا سهر فلخدمة المواطنين وإذا اجتمع انما يجتمع لتيسير أمور حياتهم و إذا تقدم لقص شريط إنما يقصه لخلق بناء مؤسسة لتعليم أبناء الشعب ، و إذا زار مؤسسة -هو أو من يمثله- فإنما ليقف على حجم ما تعانيه من خصاص في التجهيزات والأطر ويعمل على توفيرها في الحال ، وإذا ركب سيارة المرسديس من آخر موديل التي اشتريت له من أموال الشعب ، فلكي يحس ما يعانيه المعلمون والمتعلمون من جراء قطع المسافات على ارجلهم وعلى ظهور الدواب صيفا وشتاء في مختلف المسالك الوعرة ، و إذا حلل الأرقام قفز ذعرا كلما تحرك مؤشر الهدر - بجميع انواعه - صاعدا ، واذا شم رائحة الفساد قام في التو واللحظة بمحاسبة المفسدين صونا للمال العام وحفاظا على هيبة القطاع ، و أن تتلخص رؤيته للتعليم في الشعار الوطني الأول والدائم "التعليم حق للجميع وليس سلعة لتمييز فئة عن غيرها" ، وأن يعتمد محور تنمية المنظومة على المشاركة الوطنية، وأن يتجرد من الخضوع إلى الأيدولوجيات الحزبية والنقابية ، وان يجعل المدرس هو عصب العملية التعليمية، والتلميذ هو قطب الرحى فيها . وعندما يتم اعتماد معيار الكفاءة والامانة والخبرة والنزاهة وعندما تتاح الفرصة للجميع بلا تمييز وعندما يتم اعتماد الصالح العام وليس المصالح الشخصية او الفئوية ، والتفكير الاستراتيجي وليس التكتيكي كمنطق ، وعندما يتم إسناد الحقائب على مبدأ ا (الرجل المناسب في المكان المناسب) وتنتفي معايير الانتماءات الحزبية و العشائرية والتوجهات النقابية ، عندها فقط سيطمئن الجميع على مستقبل البلاد . في الحقيقة و كمواطن مغربي وكرجل تعليم كنت أتمنى ان يعين الوزير من قطاع التربية والتعليم وأن يكون الوزير قد تدرج في مختلف أسلاكه وتقلد مهام ومناصب عدة ومتنوعة بالإضافة طبعا إلى تكوينه الأكاديمي ففي اعتقادي سيكون هو الاقدرعلى معرفة مشاكل التعليم وطرق حلها والتي لا تكفي فيها الوصفات التي تزخر بها الأبحاث الأكاديمية المصنفة على الرفوف والبعيدة كل البعد عن الواقع المعيش للقطاع" رغم أهميتها ومركزيتها " . كما أن قطاعا حيويا كقطاع التعليم من الضروري إلغاء المحاصصة الحزبية في إسناد حقيبته وإسنادها لمن لا يكون انتماؤه لا إلى حزب و لا إلى شخص ولا يكون انتماؤه الا للوطن ، وذلك لجسامة المسؤولية وخطورة الظرف الراهن وعِظَم المهام المستقبلية، وفشل الوزراء الحزبيين في النهوض بهذا القطاع و نزول بعضهم به الى الدرك الأسفل والتاريخ شاهد على ذلك . التعليم ليس ولا يجب ان يكون ورقة في يد هذا الحزب أو ذاك يزايد به ، يتولاه هذا او ذاك ، يديره حسب مزاجه وهواه ، وبعد انتهاء فترة الولاية البرلمانية نعود لنبدأ من جديد ، ونعود إلى حيث بدأنا من نقطة الصفر ؟ التعليم ليس حقيبة وزارية وحسب ، التعليم قيم و مبادئ وأهداف عليا حاكمة تحدد ملامح المجتمع الذي نريد . إن الوزير الجديد الذي نتمنى له التوفيق في مهامه مطالب بتقييم شامل ودراسة معمقة قصد تشخيص الاختلالات والتشوهات التي أصبحت تنخر جسم القطاع. إن التركة ثقيلة جدا مع وجود هذا الكم الهائل من الملفات والاستحقاقات الكبيرة كملف تدني التحصيل الدراسي ونتائجه الكارثية، وملف التقويم والمناهج والبرامج و ملف التعليم الخصوصي ..... إن الوزير الجديد الذي بشرت به بعض الأقلام فارسا مغوارا ومذكرة بصولاته وجولاته و بفتوحاته عندما تولى هذه الحقيبة في تسعينيات القرن الماضي !!!!! ، مطالب بالتريث وبأخذ وقت كافي ومساحة كبيرة من التفكير لوضع الخطط والسياسات والاستراتجيات ، وعلى جميع الشركاء أن يضعوا نصب أعينيهم أنهم مشاركون في بناء مغرب المستقبل... مطالبون بالتريث والانتظار بدون استعجال حتى تتم الدارسة الواقعية لجميع جوانب النقص لان المرحلة مرحلة معالجة ومراجعة لكل سلبيات وأخطاء السياسات التربوية التي أوصلت المنظومة التربوية إلى الحضيض ، وعلى كل طرف من أطراف هذه المنظومة أن يضع نفسه أمام مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤوليات الوزير بدلا من الالتفاف والتنصل من هذه الحقيقة وإصدار الأحكام السلبية المسبقة المحبطة التي يسعى بعض السياسيين المفلسين لتحقيقها . وعلى الوزير الانطلاق من مشروع واضح وأجندة خاضعة للمتابعة والتقييم والتدقيق المرحلي للخروج بنتيجة واضحة يبنى على أساسها قرار الانتقال من مرحلة إلى مراحل متقدمة والابتعاد عن الأحادية في التفكير أو اختزال هذه الأجندات في أشخاص شهدت لهم المراحل السابقة بالإخفاق وإشراك من يجب إشراكهم بما يلامس واقعنا بدلا من التحليق في عالم المغامرات التي أثبتت فشلها وفشل كل من جاء بها.