عبارة بليغة لخص من خلالها المفكر الروسي بليخانوف استبدال الاستبداد القيصري بالتسلط البلشفي بعد الثورة البلشفية في تعبير صريح عن تغيير المظهر والتمسك بالجوهر وهو ما ينطبق على السياسة المغربية التي تتسم بالجمود وتبادل الأدوار وممالأة الظالمين من المسؤولين الحقيقيين والسكوت عن ظلمهم وبقاء دار لقمان على حالها. أما إظهار غير ذلك فدونه عقبات وعواقب لا قبل للمعارضين بها. ويتضح ذلك بالنظر إلى طبيعة المعارضة التي أصبح مركوزا ومستقرا في طبائع المغاربة أنها لا تعمل على خلق حراك سياسي واجتماعي وثقافي مستمر يحقق المصلحة العامة ويصونها ويدافع عنها لتخليصها من جشع العاضين على السلطة بالنواجذ يريدون عرض الدنيا. وبالتالي فان هذه المعارضة لا تنتقد البرامج السياسية والانجازات الحكومية بقدر ما تعارض الأشخاص والخلفيات والمرجعيات وبالتالي فانه لا جديد يذكر ولا قديم يعاد. غير أن مفهوم المعارضة في بلادنا لا يرقى إلى مستوى المعنى الاصطلاحي فالمعارضة لغة من الجذر الثلاثي ( ع - ر- ض) الذي يحمل في خلاله معنى المناقضة والمقاومة والعدول عن الشيء والإعراض عنه وبخصوص معناها الاصطلاحي يقول الجرجاني في "التعريفات" ( المعارضة هي المقابلة على سبيل الممانعة وهي إقامة الدليل على خلاف ما قام عليه دليل الخصم ). وتعرفها الموسوعة السياسية بما يلي ( هي الأشخاص والجماعات والأحزاب التي تكون معادية كليا أو جزئيا لسياسة الحكومة ) . يتضح من خلال ما سبق أن المعارضة أساسها المخالفة وتقديم الرأي والنصيحة بالتي هي أحسن والدفاع عن حقوق الشعب وتقويم سلوك السلطة السياسية على أساس تقبل الاختلاف في الرأي واعتباره حقا مشروعا. المعارضة الحقيقة في البلدان الديمقراطية تعارض انطلاقا من إحساسها بالمسؤولية التاريخية تجاه الشعوب والأوطان وهي تعلم علم اليقين أن خطابها مأخوذ على محمل الجد وأن الانتقادات التي تبديها والمؤاخذات التي تعبر عنها تقتضي تقديم البدائل والحلول . أما المعارضة في وطننا العزيز فما هي إلا رجع يعاد وفيء دائم إلى ظل المخزن إمعانا في تكريس الخمول القطيعي و" دين الانقياد". وبالمقابل الاستئساد على الأشباه والنظائر من الأحزاب والتربص بها و نصب المصائد والكمائن للحكومة من أجل إسقاطها وحملها على الانكفاء والتراجع ولتذيقها مرارة الإحساس بالذل والهوان من خلال تضخيم الأخطاء وتتبع العورات والعثرات ممتطية خيالها المجنح الذي يشي بدوافعها المشبوهة. لإبعادها عن دائرة التنافس المحموم على المناصب والكراسي. وذلك لأنها تقدم مصلحة الأفراد على مصلحة الحزب ثم مصلحة الحزب على مصالح الأمة فتجد السياسيين في ترحال سياسي دائم جريا وراء المناصب. كما ترى الأحزاب متنقلة من تحالف وائتلاف إلى آخر تقدم تارة وتارة تحجم وترجع القهقرى خوفا ورهبا من الوقوف طويلا في غرفة المعارضة الفارغة من الكراسي ورغبة في اللحاق بقطار الحكومة ولو بدون حقيبة. فتكون النتيجة أن يجلس "الإسلامي" إلى جانب الليبرالي دون حرج ولا يأنف الاشتراكي من تقاسم الكراسي مع مروجي أفيون الشعوب. ومما يؤسف عليه أنه قبلا قد ضرب كل منهم بسهم وافر في إظهار العداء وتكرار الأيمان المغلظة في "تحريم" التحالف والائتلاف مع الآخر . يصدر الخطاب الواثق الواقعي المسموع عن معارضات الدول الديمقراطية من الضمانات الدستورية التي تكفل لها تطبيق برامجها وتنزيل أفكارها ورؤاها من خلال السياسات التي تنهجها ومن خلال الوسائل العملية والسلطات التنفيذية التي تملكها بالفعل لا بالقوة . أما المعارضة في وطننا الغالي فإنها توفر لأصحابها متكأ مريحا يتيح لها الاعتراض والنقد والصراخ والرفض والطعن في الكفاءة ,تاركة الشعب بين فكي كماشة طرفاها كارثية أوضاع المجتمع وعبثية المشهد السياسي . كما يمثل غياب السلطات التنفيذية الحقيقية واحتكار القرارات الإستراتيجية ومصادرة المبادرة والفعل وتحجيم حيز الاقتراح قاصمة الظهر للمعارضة تحيلها أداة لينة مرنة ووسيلة تشويه وتزييف للحقائق وتضليل للرأي العام. فنتائج الانتخابات وطبيعة الخيارات موجهة ومتحكم فيها مما يجعل الملاسنات والمجادلات بين الإخوة الأعداء السياسيين محض مناظرات كلامية لا طائل من ورائها . من أهم مظاهر المعارضة في الدول المتقدمة وجود ما يعرف بحكومة الظل , ولا نقصد بها حكومة الظل كما هو مصطلح عليها في وطننا الذي يمثل نسيج وحده في هذا المجال أي الأشخاص الذين يحكمون بالفعل من وراء الستار أو من أمامه , وإنما يقصد بها حكومة واقعية - افتراضية تنصب واقعيا من قبل الحزب المعارض وتوزع الحقائب افتراضيا ملأ لفراغ محتمل في إدارة السلطة التنفيذية تفيء إليها الدول المتقدمة للخروج من عنق الزجاجة في الأوقات الحرجة . أما في المغرب فلا مجال لحكومة الظل هذه لأن حكومة الظل الخاصة بنا منصبة دائما ويتم تعديلها كلما دعت الحاجة إلى ذلك بعيدا عن الأحزاب السياسية التي لاتثير حفيظتها ولا حنقها مثل هذه الإجراءات التي تجردها من مشروعية وجودها . كما أن طبيعة المشهد السياسي لا تمنح أي حزب أغلبية مريحة تمكنه من التفكير في تشكيل حكومة محتملة ,وعليه فان المعارضة السياسية في المغرب ديكور عتيق ولوحات باهتة وكائن سياسي محنط تؤثث المشهد السياسي الذي يمور ويموج بالحركية والمواقف والملاسنات التي تفتل كلها في حبل الجمود والرتابة ومقاومة التغيير. أحمد هيهات 2013 – 06 - 16