بعدما اصبحت حفيضة من الماضي، تجددت معاناتي في البحت عن فتاة احلامي. تصورها في الخيال سهل جدا، ارسم ملامحها بالطريقة التي اهواها، اصبغها بالالوان التي اعشقها، صرت كالفنان التشكيلي الذي يتفنن في ابداع لوحته متحكما في مضمونها ويقدمها في الشكل الذي تتخيله ذاكرته و تستريح لها روحه الفني. كنت اتصور معشوقتي بشعر اشقر و رطب ، عيون تارة زرقاء واخرى خضراء اما قامتها كنت اميل لاعطيها رشاقة عارضات الازياء دون ان اتنازل عن حقي في صدر كبير و بارز. كانت بشرى ذي السادس عشرة و نصف ربيعا قريبة من هذا التصور، لا تبعد من قريتي سوى بميلين او اكتر بقليل ، عرفني بها سعيد، صديق الطفولة. تقدمت عائلتي لخطبتها على الفور لاني امي كانت متعطشة لتزويجي ، خلال الحفل كنت غائبا عن الساحة ، كنت في مهمة وطنية وسط ادغال الصحراء ، اتابع الاخبارعبر الرسائل لغياب وسائل الاتصال الحديتة انداك ، كانت تاخد وقتا طويلا، كلما توصلت باحداها اقرئها دفعة واحدة ابحت بلهف عن كل جديد، افتش بين سطورها عن اسم بشرى ؛ للاسف كان اخي الحسين كاتب الرسائل يفتقد للشعور الذ ي احس به ، كان دوما مختصرا في الكلام لايتقن فن الاسلوب الا عندما يطالبني بارساله النقود . اجواء الصحراء و مناخها يجبر الانسان ان يعطي لاشياء قيمتها الحقيقية، بما اني عنصر فيها فقد اكتوتني بما سلطت به من عواصف رعدية و زوابع رملية و حرارة مفرطة و افاعي مجلجلة و عقارب صفراء و سوداء ، كل هده الاشياء جردتني من كل الاحاسيس الادمية فاصبحت كالدمية الپلاستيكية التي تقوم بدورها الوضيفي. اعيش في كوخي الاسود كالميت السريري وكان السيروم الذي اتغدى به ياتيني عبر الرسائل الجاحفة من كاتب يعيش في فندق خمسة نجوم. لم اكن اعلم ماذا كنت اعني لبشرى، صحيح اننا لم نلتقي بعد ، لكن بما ان الخطوبة قد تمت ، يبقى من حقي ان اتساءل هل كنت املا افكارها خلال غيابي، هل كان اسمي حديت لها وسط صديقاتها، ام ان وقتها مليئ بما يشغلها عني . لما عدت الى الى اهلي احاطوني بكل ما وقع ايام الخطوبة فلاشيئ يستوقف تركيزي سوى حديتهم عن بشرى . استنتجت من خلال حديت اختي فاطمة انها لازالت طفلة و يلزمها بعض الوقت ، هده المعلومة وسوستني الى درجة اني ارسلت في طلبها لمساعدتنا في بعض الاعمال المنزلية، الا ان الهدف الحقيقي وراء ذلك هو ان اغوص في بحر افكارها و توجهاتها لاستكشف مدى استعدادها لركوب قطارانجاب الاطفال. صورتها يتدفق منها جمال طفولي ، صمتها يقلقني و كلامها يفقدها بريقها و يكشف عنها ذلك الغطاء السحري الذي خدعت به بصري و اصطدم تصوري بواقع لا يقبل المكياج. اخدتها في رحلة خاطفة الى مدينة بني ملال ، اقتنيت لها بعض الهدايا و فسحتها في منتجع عين اسردون ، خلال الجولان في الحديقة خاب ضني فيها و ادركت ان جيلا من الزمن يفصل بيننا و ان زواجنا اصبح مستحيلا. عدت بها حزينا كئيبا اجر ورائي ديل الفشل ، سلمت الامانة لاهلها ، فانطفات شمعة الاجازة و عدت الى موطني البئيس الى كوخي الاسود آملا ان آخد تجربة اخرى في انتضار ان يكتب لي المستقبل سناريو لمسلسل اجهل تفاصيله.