رأيت بالأمس على قناة تيفي 5 الفرنسية برنامجا عن التاريخ الفرعوني، في أحد مقاطعه أتى الحديث عن الرئيس السادات و نظيره الفرنسي آنذاك جيسكار ديستان ... فالكل يعلم أن مومياء رمسيس الثاني ،التي كانت في وضعية تحلل تنذر بفنائها الوشيك ، قد نقلت إلى فرنسا بغرض إنقاذها و إجراء ما يلزم من التجارب عليها ... رفض السادات في البداية عرض الفرنسيين بأخذ المومياء لبعض الوقت، بدعوى أن صاحبها ملك مصري لن يغادر أرضه ... فطن الفرنسيون إلى حيلة، و العهدة على عالمة الآثار التي كُلفت بمهمة صيانة المومياء، لسبق علمهم بنفسية العرب . فقد اقترح الرئيس الفرنسي أن تعامل المومياء معاملة الملوك في ارتحالها و حلها، وافق الرئيس المصري، فالحدث كبير سيسجل لا محالة في سيرته....و كذلك كان، استقبل الملك الراحل استقبال الملوك الكبار في مطار باريس، بتحية عسكرية و على وقع أصوات الآلات النحاسية... الشاهد عندنا هو هذا الميل العربي إلى البهرجة و المظاهر و السجاد الأحمر و طقوس التصنع و التكلف... رمسيس المتوفى منذ أكثر من 3000 سنة لم يمت فعليا، فنسخته تتكرر بأدق تفاصيلها في كل قطر عربي، و روحه بالمفهوم البوذي تسكن كل ساكن جديد لدار الحكم... على الأقل كان الفراعنة القدامى يستحضرون دوما الحياة الأخرى و يضعون سيناريوهات ما بعد الموت بغض النظر عن نوعية المعتقد و مدى صحته، خلافا لفراعنة اليوم. الأصل أن تكون جثة رمسيس الثاني عبرة، تبدو معها حياة الحكم تافهة، و أنه مهما طال العمر و التعمير ، فمسيره و مصيره محتوم... ألم يقل هارون الرشيد، الرجل الصوَّام القوَّام المغبون في التاريخ، مخاطبا سحابة في السماء : أمطري حيثما شئت فسيصل إلي خراجك... ثم رفع بصره إلى نفس السماء في آخر حياته قائلا: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.... هي جدلية التشريف و التكليف، تكليف المنصب يجب أن يعلو تشريفه، لأن المشهد رهيب، مشهد تعلق الأرواح و العظام و الأشلاء بتلابيب الحاكم يوم لقاء الله، و أي تلابيب مادام الجميع سواسية حفاة عراة.... يونس حماد