بدأت أم كلثوم كما يعلم الجميع مرددة صغيرة لأناشيد كبار زمنها في الحفلات و المواسم، كما بدأ عبد الوهاب ملحنا و مغنيا صغيرا مع منيرة المهدية... نفس الشيء تكرر عند كبار الفنانين عبر العالم، صعاب و نضال من أجل فرض الوجود الذي لم يتحقق إلا بصوت شجي و عبقرية موسيقية متميزة في ظل جو فني محترم و جمهور ذواق كانت تفعل به الآهات و التلييل فعل السحر بالمسحور.... اليوم أصبحت التجارة سمة كل شيء، أصبح ميدان الغناء سوق نخاسة بامتياز تباع فيه الأجساد... فالجسد اليوم مقدم على الصوت الذي ، أي الصوت ، أصبح من السهولة بمكان تطويعه بمؤثرات الحاسوب و جديد التقانة... حتى مصطلح " تسليع المرأة " الذي تطلقة بقية ٌ من شرفاء المناضلين ما عاد ذا مصداقية ، لأن هذه السلع النسائية أصبحت للأسف تبيع نفسها بمحض إرادتها، فمتى كانت دنيا باطما حورية بحر لتقدم برنامجها من وسط المسبح؟؟؟ أم أن غرور الشهرة زادها نونا فأصبحت باطمان قادرة على الغناء حتى في قعر المحيط ؟؟ ....أهل الغواية ابتدعوا مصطلحا جديدا يستر شيئا من الميوعة و الابتذال هو " فنانة استعراضية " ... و أهل الإعلام ، خوفا من بطش أهل الإنتاج و نفوذهم ، أبدعوا حيلة لغوية بأن أضافوا كلمة " شبه " لصفة " عارية " التي تميز أكثر المغنيات ... هو نعت حقيقي كما يراه الناس، و صيغة مبالغة كما يراه دعاة التحرر المتوحش. تناسلت قنوات الغناء الهابط تناسل الفطر مستفيدة من الرساميل الخليجية و وفرة المخزون الأنثوي من المحيط إلى الخليج ... روتانا نموذجا، مركز إمبراطورية الوليد بن طلال، سليل أرض الخلفاء و الصحابة. و المفارقة أنه هو نفسه صاحب قناة الرسالة الدينية ، بل و تبث قناة الرسالة من نفس استديوهات روتانا ... لو أزيلت الحُجب ، سنرى فنانات الألقاب السريعة المكررة : كوكو فوفو نانا ... بجوار الشيخ فلان و علان ... يحكي أحد الشيوخ أنه طُلب منه الانضمام إلى طاقم قناة الرسالة، فقال رافضا: إغلاق قناة روتانا أحب إلى الله من فتح قناة الرسالة... نعم، في القواعد الفقهية تسبق التخلية التحلية ، أي التخلي عن مظاهر السوء أولا ثم الانتقال للتحسين .... في زمن تحرير الإعلام يستحيل تنميط الذوق العام، لكن أي حكم جمالي يستند إلى معايير دنيا يحصل عندها الاتفاق، معايير ترتقي بمفهوم الجمال الذي، للأسف ، انحط شيئا فشيئا ... صحيح أن أم كلثوم في زمنها كانت في نظر البعض جريئة و مائعة، لكن اليوم مقارنة بفطريات الغناء تكون أم كلثوم رمزا للالتزام و الحشمة... هو تنازل تدريجي عن ثوابتنا ، كحبات عقد تنفرط الواحدة تلو الأخرى .... يونس حماد