العنف سلوكٌ بشري له طبيعة أداتية، دائما موجَّه للاستعمال يَنتهك ويتجاوز كل سلطة مُتَّفق عليها. إنه سلوك يتسم بالعدوانية يُمارس في إطار علاقة قوة غير متكافئة إما جسديا أو اقتصاديا أو سياسيا، ويتسبب في أضرار جسيمة. وتاريخ البشرية حافل بمظاهر العنف وفي أبشع صورها. وسبب العنف هو التمييز ضد الآخر.. ويُهمنا في هذا المقال التمييز ضد المرأة، إنَّهُ تمييز على أساس الجنس، فالنظرة الدونية للجنس البشري تؤدي إلى العنف.. وهو عنف مضاعف: مادي ومعنوي، وهذا الأخير هو ما يترتب عنه لدى المعنفة من سلوكيات نفسية ومركبات نقص بمثابة عنف داخلي ولَّدَهُ العنف الخارجي. أي أنه عنف ضد النفس في صراعها الداخلي بين ضرورة الاستمرارية إلى جانب الآخر.. خدمته، ومشاركته، ومعاشرته وبين الرغبة في التخلص منه. ومع عدم القدرة على التخلص منه وإِجْبارية الخضوع لأنانيته وساديته تقوم المرأة بتدمير ذاتها. وهنا تظهر أنواع أخرى للعنف أو العنف المضاد والذي تظل ضحيته هي الذات المُعَنَّفَةُ في الأصل مع معاناتها الصامتة. فنجد: الإجرام بالعادة، وقتل النفس أو تعذيبها، وإهمال الأبناء مع إمكانية قتلهم. وإذا اعتمدنا النشرات والمواثيق وبرامج الأعمال سنجد الصفحات مليئة بأصناف الأساليب الداعية لمحاربة العنف وسنأخذ على سبيل المثال لا الحصر نموذجا واحدا: برنامج عمل فيينا المنعقد سنة 1933 عن شطر العنف والتمييز ضد المرأة الفقرة 38 من موضوع البرنامج *يشدد البرنامج العالمي لحقوق الإنسان بصفة خاصة على أهمية العمل من أجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والاستغلال والاتجار بالمرأة والقضاء على التحيز القائم على الجنس* لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: - هل أوقفت هذه المواثيق العنف ضد المرأة؟ - هل زجرت فعلا هذه البرامج والمعاهدات جنوح الممارسين للعنف ضد المرأة وكل المستضعفين؟ - هل كانت النوايا حسنة بالفعل، وكانت لديها رغبة حقيقية في الحد من العنف ضد المرأة والتمييز على أساس الجنس؟ إن الوقوف على أشكال العنف الإنساني بشكل عام يجعلنا نسلط الضوء على المخاطر والإفرازات الكارثية لهذه الظاهرة، فالمرأة في كل المجتمعات متقدمة وغير متقدمة، غنية أو فقيرة ترزأُ تحت وطأة العنف بأَحْدَثِ أنواعه، وتكفينا الإحصائيات الجد مرتفعة لنسبة النساء المُعَنَّفات من طرف أزواجهن أو رُفقائهن حسب التقليد الغربي. - اختطاف وسرقات النساء والفتيات وإرغامهن على العمالة في إطار تنظيمات لا أخلاقية. - استغلال طفلات في سن الورد في الترويج للأفلام الخليعة.. بل إنهن مواد أساسية لهذه الأفلام ولا من يحرك ساكنا. العنف بمثابة فيروس.. وظيفته أن يمتزج بالسلوك الإنساني ويعطيه صورة عدائية، فكلما حاربناه وابتكرنا السبل والمناهج للقضاء عليه، يُطور هو من آلياته ويُطعِّمُ نفسه من مركبات المصل الجديد فيعطينا عُنفا بحلة جديدة وزاهية أحيانا. إنه العنف المنظم أو الممنهج ضد المرأة. والعنف المنظم أو الاضطهاد المنظم هو ذلك العنف الذي تُمهِّد له المفاهيم المستمدة من المجتمع يُمارس بنسق اجتماعي متكامل ويستمد مشروعيته من تفسير غير صحيح لنصوص شرعية أحيانا، أو من فساد ما داخل المنظومة القضائية. وتتواطأ فيه كل العناصر رجالا ونساء، يؤكد دونية المرأة وتبعيتها للرجل، وهذا الأخير يتغذى من مفهومٍ راسخٍ في تاريخ أُسرته ومجتمعه بأن المرأة هي كائن أقل قوة منه، تنمو هذه النظرة أثناء التنشئة داخل الأسرة والمؤسسات التربوية أحيانا. فيصبح العنف ضد الأنثى تحصيل حاصل لمجموعة من الأعراف والقيم توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، تنمو الأُنثى كذلك خاضعة غير ممانعة لسلطة الذكر في الأسرة وبالتالي تخضع لسلطته خارج الأُسرة فهي قناعة ثابتة وراسخة لديها. وحين تنجح المرأة في تخطي حدود الوصاية وتحقق لنفسها نوعا من الاستقرار بفعاليتها داخل المجتمع، بعلمها، بثقافتها أو بوضعها الاجتماعي ويُصبح النيل منها صعبا والطريق شاق.. وأية محاولة قد تُحْدِثُ ضجَّة. بدأ العنف يتوسل سبل أخرى أكثر عدوانية ولكن دون أية آثار تدل عليه. فوجد في الإشاعة واختلاق الحكايات وتوظيب السيناريوهات للتشويش على كرامة المرأة وعِفتها ضالته.. انطلاقا من كونها الوتر الذي قد يُحدِث العزف عليه شرخا في نفسها ويؤثر على مردوديتها، خصوصا إذا كانت امرأة ناجحة وهنا أستدل بقولة ذات معنى وقراءة مُجملة للعنف ضد المرأة ل سانتيا فلوري cynthia fleury أستاذة باحثة *فلسفة سياسية* .. حرية المرأة دائما تَتَرَبَّصُ بها الإشاعة وعندما نجد امرأة ناجحة *نُرْجِعُ وتقصد ذوي العقول المحدودة* نجاحها إلى أنها كانت محظية .. وتقصد مومس. وأختم بعنف الشارع كالتلصص والإهانة والتحرش بكلمات نابية ذات طبيعة جنسية، وقد تتعرض الفتاة للاعتداء الجسدي في الشارع العام دون أية محاولة للتدخل والأدهي من ذلك لا تسجل الفتاة أي تظلم لدى السلطات خوفا من التشهير بكرامتها أو إلحاق تهمة معينة بها. والخلاصة.. المرأة كائن متفاعل مع محيطه، لا يستسيغ العزلة.. فهي منتجة من نوع جيد ومساهمة بنصيب أكبر في تقدم وتطور المجتمع الإنساني. وحتى نُجَنِّبها التفاعل السيئ والسلبي يجب أن نراعي إنسانيتها، ونوفر الشروط الأساسية التي تجعل منها عنصرا له رؤيته ومرجعيته، له ثقافته وتوجهاته. الأستاذة : أمينة قسيري