في إحدى كتاباته رفض ابن باز يوما من أيّام عام 1985 رفضا كلياً فكرة كرويّة الأرض وفكرة دورانها حول الشّمس، لقد أعادنا بنقاشه هذا إلى ما قبل كوبيرنيكوس بعد أن كفّر كلّ من اعتقد بذلك! علي كل حال هو حرّ بآرائه، ومع ذلك لم يتجرأ أحد على ردّ فتواه وبيان خطئه لا من علماء الدّين ولا من المؤسّسات العلميّة المرموقة: من الأزهر والزيتونة والقرويّين، من القرضاويّ والتّرابيّ وكفتارو إلى كليّات الشّريعة على امتداد العالم الإسلاميّ من مشرقه إلي مغربه ... لا أحد تجرأ على تسفيه فتواه المتنطّعة بالقول: ما هذا الهراء الذي تقول به باسم الدّين الإسلاميّ يا ابن باز؟!. فعندما لا يستطيع أيّ مفكّر أو عالم أن يردّ عليه وعلى أمثاله بخصوص هذه المسألة أو غيرها من المسائل (كتحريم الخروج للاحتجاج مثلا) فهذه كارثة حقيقيّة فعلا!.. والكارثة الأكبر، هي أنّ المؤسّسات الدّينيّة الرّسميّة وعلي رأسها الأزهر وغيرها في حالة عقم فكريّ كامل وشامل اليوم. فمخرجاتها العلميّة ليست سوى بضاعة ضحلة من قبيل إرضاع الكبير، والتّداوي بشرب بول البعير. ذلك لأنّ السّاحة شبه متروكة لعبث الجهاديّة بسبب اعتماد تلك المؤسّسات الرّسميّة على التّكرار والاجترار، وإسهامها في الحجر على الفكر الحرّ بدافع الانكفاء إلى ماض غير متعيّن حماية لمصالح المستحكمين في الشّيء العامّ، ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه قائم بتدجين المثقّفين كما الشّعب وإخضاعهم جميعا لمغتصب السّلطة والحكم. فعلى هذا النّحو وبمثل هذه الخلفيّة يصبح الدّعاة ومفتي الإسلام مع الحرب عندما تكون سياسة الدّولة في حالة حرب، وإذا جنحت إلى السّلم يسيرون وراءها سير الكلاب... هذا جزء من عقم هذه المؤسسات، وهو فراغ واضح في الفكر الدّينيّ يملؤه أحفاد ابن تيميّة وأتباع أبي الأعلى المودوديّ بنوع من الفهم المتنطّع الذي يجعل صورة الإسلام تميل بدرجة حادّة إلى الدّمويّة والعنف. إنّنا عندما ننظر إلي العالم العربيّ من أقصاه إلي أقصاه وهو يستهلك كلّ شيء ولا ينتج شيئاً باستثناء الموادّ الخامّ ماذا يمكن أن نتوقع ؟. هناك بنية يبدو أنّها لا تشجع على الإنتاج سواء أكان الإنتاج مادّيّاً أو علمياً أو فكرياً .. ولكنّها تشجّع في المقابل على الاستهلاك والاستيراد، وهو ما يجعل القدرة علي الإبداع محدودة في غياب الاستعانة بتوريد القطع والتّقنيّات اللاّزمة وربّما حتى الفّنّيّين. .........................مقتطع من حوار خاصّ مع المفكّر السّوريّ صادق جلال العظم تشكيل أحزاب على أساس طائفي هو عين النازية