إذا كانت هناك فئة من المغاربة طالها النسيان والإهمال المتعمد ولم تستفيد لا في العهد القديم ولا في العهد الجديد من أي إجراء يحسن من وضعيتها وظروف عيشها فهي فئة المتقاعدين العسكريين الذين ضحوا بالغالي والنفيس وأعطوا الكثير لهذا البلد وساهموا في أمنه واستقراره وتحريره من المستعمر وبنائه وصونه ليصبح على ما هو عليه اليوم. هذه الفئة اليوم تجازى عن تضحياتها بالإهمال والموت البطيء. فبغض النظر عن الارتفاع المهول للأسعار وغلاء المعيشة فمعاشات المتقاعدين مجمده مند أمد طويل وجل أفراد هذه الفئة يتقاضون معاشات جد هزيلة يستحي الإنسان ويعجز اللسان عن ذكر قيمتها، وللأسف الشديد وفي الوقت الذي قررت فيه الحكومة زيادة 600 درهم في أجور الموظفين استثنت المتقاعدين العسكريين من هذا الإجراء وكأنهم في غنى عنه، مع العلم أن اغلبهم يبحث عن شغل في ظروف قاسية الله وحده يعلمها، وذلك لضمان قوته وقوت أبنائه اليومي وكأن هؤلاء الناس لا يستحقون أي عناية بعد كل هذه التضحيات. تخيلوا معي كيف سيكون حال متقاعد من الجيش الملكي في جميع أنحاء المملكة بعد فناء زهرة شبابه في خدمة الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، يتقاضى معاشاً هزيلا بالله عليكم هل هو كاف لتسديد واجب كراء المنزل الذي يقطنه أو لأداء فواتير الماء و الكهرباء و سد حاجياته وحاجيات أبنائه اليومية ومصاريف دراستهم وملبسهم ومرضهم إلى غير ذلك من الضروريات. والإشكال المطروح ما المتوقع من هذا الشخص أن يفعل ليضمن عيشاً كريماً له و لأبنائه ؟ كيف سيكون حال أرملةٍ مات زوجها و ورثت بعده معاشاً لا يتجاوز 400 درهم و ثلاثة أو أربعة أبناء واجب عليها تربيتهم وتدريسهم وسد حاجياتهم وكأنها تعاقب لأن زوجها مات ! كيف يمكننا أن نزرع في قلوب أبنائنا حب الوطن الذي كافئنا بالإهمال والنسيان، وأن نتفاءل بمستقبل أحسن لأبنائنا ونحن عاجزون عن تلبية حاجياتهم اليومية؟ كيف لنا أن نصبر وننقل مبادئ حب الوطن لأبنائنا وهم يرون كل يوم معاناتنا بعد التضحيات التي قدمناها في سبيل هذا الوطن؟ كيف و كيف و كيف. وفي الختام يجب أن يدرك الجميع أن تقدم الأمم في الأساس لا يحدث إلا إذا أعطينا للإنسان قيمته وحفظنا كرامته وأعلينا شأنه. فالإنسان هو الأصل وهو الهدف وكل تقدم لا يخدم الإنسان فهو زائف و مزور. فتشييد البنيان لا ينفع في شيءٍ إن لم تعمر هاته البنيان، وحب الوطن لا يتحقق إلا إذا تحققت المعايير التي على أساسها يكافئ الإنسان.