لماذا نعيش فوق الجبل يا جدي ؟ . يكبر "علي" شيئا فشيئا , ليصبح محترما لأنه في نظر الجميع , المدبر المستقبلي لأمور أسرته الأمية الامازيغية , بتفوقه الدراسي مع مجموعة من زملائه من ثانوية احمد الحنصالي بازيلال , أرسل ا إلى ثانوية ابن سينا ببني ملال لمتابعة دراسته بالسلك الثاني الثانوي كما كان يسمى ذلك في السبعينات ... رغم حبه الشديد للجبل , شعر انه مقبل على عالم جديد , ألا وهو فضاء المدينة : بني ملال الذي لا يعرف عنه أي شيء , سوى بعض حكايات و زيارات أبيه "حدو" أيام تواجده صدفة أثناء فتر الحملة الانتخابية . امتزجت في نفسه رغبة حب الاستطلاع للمدينة الفاضلة , وسيطرة غريزة البقاء بين أفراد عائلته الجبلية . لما اقترب موعد الدخول المدرسي , اضطر الأب , بيع بعض الشياه من اجل توفير بعض الملابس وكل مستلزمات الدراسة بالسلك الثاني من التربية و التعليم , وخاصة ضروريات القسم الداخلي لان ابنه متوفر علي منحة , ومما أثار انتباهه ,عدم قبول أي داخلي إلا بعد شراء فرشاة للأسنان . وعلبة جلدية تحوي وسائل الغسل والاستحمام , ومنامة , وبعض الملابس الضرورية : زوجين من كل صنف : سروالين , قميصين , حذاء ونعل ... تعجب الأب من هذه الشروط المعجزة والقاهرة المفروضة عليه إن أراد, أن يلج ابنه القسم الداخلي .ونظرا للفقر والاحتياج , اضطر الأب , اللجوء إلى شراء بعض الملابس المستعملة والقديمة الموجودة ب " سوق برى" , هذه السوق المشهورة ببني ملال , والتي تشبه ساحة " جامع الفنا بمراكش . وبما أن ملفا التسجيل الخارجي والداخلي جاهزين . استطاع الابن أن يودع أباه , قرب الباب الرئيسي للثانوية الجديدة . وفي لمح البصر , وجد "علي" نفسه واقفا أمام الحارس العام الداخلي , الذي ناوله رقم سريره , ورقم المرقد , إضافة إلى الفراش والغطاء والوسادة الطويلة , والتي أثارت انتباهه , ليبتسم وحيدا , الشيء الذي اقلق مزاج المسؤول عن القسم الداخلي , والذي عنفه قائلا له : «الضحك بلا سبب من قلة الأدب » لكنه لا يستطيع الإفصاح عن سبب ابتسامه وضحكه . حمل التلميذ الجديد كل ما تسلمه , واخذ يصعد سلما لولبيا , وكاد أن يسقط من فوقه , لكثرة شعوره بدوران وغثيان . وحين وصل إلى الباب الأعلى للمرقد, أحس بحرارة تلفح وجنتاه , وازدادت حدتها خاصة حين فتح الباب ,ليسمع أصوات التلاميذ الجدد , ومنهم من هو مستلق على ظهره , يتحدث مع احد زملائه , في نشوة من الفرح والضحك , للدخول إلى المرقد . بحث عن رقم سريره , وانبهر لأنه بالقرب منه , وجد كثيرا من زملائه بثانوية احمد الحنصالي , جالسين في أسرتهم , في هرج وضحك مستمرين . كانت الأسرة الحديدية المخصصة للنوم من طبقين : اختار السرير الأسفل , لأنه لم يألف النوم إلا في الحضيض , مخافة أن يسقط من أعلى على وجهه أثناء النوم العميق . ولما جهز سريره , كباقي زملائه , رن جرس القسم الداخلي معلنا نزول جميع الممنوحين إلى الأسفل حيث يوجد المطعم , لان وجبة الغذاء جاهزة . ( يتبع ) . محمد همشة . دار ولد زيدوح في : 14/06/2012 .