السلام عليكم: يقول شاعرنا حفظه الله تعالى في «ملحمته النونية» وهو يصف حالته النفسية عند نظم الشعر: ثار القريض بخاطري فدَعوني أُفْضي لكم بفَجائِعي وشُجوني فالشعر دمعي حين يَعْصُرني الأسَى والشعرعودي يوْمَ عَزْفِ لحوني ألهمتهاعَصْماءَ تَنْبُعُ من دمي ويَمُدُّها قلبي وماء عُيوني نُونِيَّةٌ والنُّونُ تَحْلو في فمي أبداً فكدت يُقال لي: ذو النُّونِ مَنْ مِنَّا لايعرف الشيخ «يوسف القرضاوي» حفظه الله، العالم الفقيه، والموجه الرشيد، صاحب الكتابات الواسعة، والفتاوى الربانية، الذي اشتهر في عصرنا بمبدأ الوسطية والاعتدال، يعرفه القاصي والداني بكتاباته وخطبه ومواقفه. وحلقاتُهُ في برنامج "الشريعة والحياة" يتابعها المسلمون من كل بقاع الأرض بشغف قوي وحب شديد. كل الناس يعرفونه فقيها معتدلا، وعالما متبحرا، وخطيبا فصيحا، ومفتيا معتدلا؛ والقليل من يعرف عنه أنه أديب وشاعر، يفوق شعراء العصر حماسة، ويسبقهم فنا وممارسة. والحكمة في ذلك لا تكاد تخفى على من يعرفه أو يقرأ له، إنه الشاعر الذي تحركه هموم المسلمين، وتستفزه أحوالهم، فينتفض للوصف والدفاع، والتوجيه والإرشاد، فتتدفق قريحته شعرا مثلما تتدفق المياه من الجداول، في بساطة وليونة، ويسر ومرونة، لا تستثقل ألفاظَها الآذن، ولا تمل من معانيها النفوس، ولا تستعصي كلماتها على الفهم. فهو بحق شاعر فقيه، وفقيه شاعر، يحفظ القرآن الكريم كاملا، ويحفظ من السنة المطهرة، ومن أشعار الأولين والآخرين، ما يرفع من مكانته، ويقوي من فصاحته. وطالما ردد في خطبه البليغة مقولة نبي الإسلام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسَّان بن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [رواه البخاري]. فهو أيضا يجيب عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينافح عن سنته ودينه. أَثْرَى المكتبةَ الإسلامية بأشعار عظيمة، رددها الخطباء في خطبهم، والوعاظ في دروسهم، منها ما اشتمل عليه ديوانه المسمى: "نفحات ولفحات" وآخر تحت عنوان: "المسلمون قادمون". لكنه لم يتخصص للشعر، ولم ينظم القصائد تلو القصائد، ليقال عنه إنه شاعر، فهموم الدعوة التي يحملها شغلته عن ذلك، سوى ما فاض به القلب ونطق به اللسان. والذي نَلْفِتُ إليه أنظار الشباب في هذه المقالة المختصرة، جمال شعره الفياض، وبلاغة نظمه المتدفق، الذي يجمع بين الكلمة الطيبة، والمعنى الجميل، والإثارة الفنية الفائقة، والبساطة الواضحة. خُذْ مثلا قصيدته الشهيرة تحت عنوان: "إليك يا ابن الإسلام"، التي يحاور فيها شباب الإسلام، ويحرك فيهم مشاعر الدين والأخلاق، يقول في مطلع هذه القصيدة الجميلة: يا مسلما بِعُرَا إِسْلامِه ارتبطا هلا وفَيْتَ بما مولاك قد شَرَطَا؟! أَبِالْمعاصي ترى الفِرْدَوْسَ دَانِيَةً من يزرعِ الشَّوْكَ لَمْ يَحْصُدْ به الحِنَطَا أم تشتري الْخُلْد بالْمَغْشوشِ من عملٍ وسِلْعَةُ الله لا تُشْرَى بِمَا خُلِطَا ؟! ثم ينتقل بعدها إلى مناقشة قضايا الشباب، ويخص تحديدا ظاهرة التقليد والتأسي بالغرب في ثقافتهم ولباسهم ومظاهرهم، فيقول بعبارة مؤثرة: يا ناشدا للهدى في الغرب معذرة إن الهدى حيث وحي الله قد هبطا لِمَ التسول والإسلام ثروتنا يغنيك عن مد كف أو سؤال عطا ونهجُه بَيِّنٌ كالصُّبْح، لا غَبَشٌ أقام فوق الحروف الشكلَ والنقطا ويعود إلى الاعتراف بحقائق العلم التي سبق إليها الغرب في ميدان البحث والدراسة، فيقول: ولست أنْكِرُ ما للغرب من أثَرٍ في عالم اليوم، فالإنكار مَحْضُ خَطَا بالعلم يَسَّرَ للإنسان عيشته وصاغ بالعقْلِ عقْلا قَلَّما غَلِطَا بالعلم رد لذِي الأَسْقام عافيةً فقام يحْيَا سعيدًا بعْدَما قِنَطا ويعالج قبلها وبعدها قضايا الأخلاق والتزام الطاعات، والاتباع لسنن الله تعالى في كونه، ويُحَفِّزُ ويُحَمِّسُ في بلاغة قوية، وفصاحية متينة، وحجة دامغة، يقتبس من القرآن والحديث، ويختار للمعاني ألوانا من الأساليب العربية الجميلة، ينتقل معها من لون إلى لون، كأنه يرسم لوحة مزدانة براقة، ثم يختم بالعودة إلى الله تعالى ودعائه وسؤاله: ولا تُبَال بِقولِ الناسِ فيك أذىً فكَمْ على الله قالوا الزور والشَّطَطَا وما أصابك من ضَرَّاءَ فَارْضَ به، وقل: ربِّ احْتَسِبْها لنا ذُخْرًا، لنَا فَرَطَا إنها قصيدة جملية، في سبعين بيتا، نشَرَها منذ سبعٍ وعشرين سنة أو يزيد، في مجلة الأمة القطرية، بتاريخ شوال 1406ه.فهل يتنبه شبابنا لهذا الكنز الفياض، من العلم والشعر والأدب الجميل حقا، ويأخذوا منه، لتكون لهم مصدرا قويا، ومرجعا متينا، حتى تتوسع مداركهم اللغوية؟!. والسلام عليكم ا لأستاذ : سعيد المنجا الجمعة 6 أبريل 2012م مدينة أفورار