لست هنا بصدد التجريح أو التحريض أو حتى الانحياز العرقي، ولكن أود فقط إشعال شمعة في الظلام علها تزيل بعض الغشاوة، و تتوضح بعض الأمور أو رمي حجيرة في بركة الماء الراكد عله يتحرك قبل أن يرسو مرة أخرى. في بلدنا العزيز المغرب، عندما تسمع كلمة شلح أو أمازيغي فأول ما يتبادر إلى الذهن نكتة عن السوسي مول المحلبة أو الشلح السقرام أو الجاهل أو الراعي أو ذلك الكائن الجبلي الذي يزاحم القردة و الخنازير في الغابات و الجبال أو ذلك العنصري "الإنفصالي" و غير ذلك من أبشع الصفات... لكن إذا تكلمنا بواقعية، فرغم ما تحمله هذه الصفات من معاني عنصرية و قدحية لا تشرفنا كمواطنين مغاربة، و كمسلمين نتنابز بالألقاب، فإنها تحمل في طياتها جوانب مظلمة أخرى. يمكن أن نتوصل إليها من خلال البحث عن أسباب إلتصاق هذه الصفات بهذا المواطن "المغبون". ومن جملة الأسباب الظاهرة بجلاء أن مناطق "الشلوح" غالبا ما تكون مناطق صعبة معزولة و نائية عن أبسط شروط الحياة الكريمة( تعليم، صحة، ثقافة، طرق ، مواصلات ، كهرباء...) هل هذه المعاناة وليدة الصدفة أم أنها نتيجة إكراهات تاريخية حضارية، أم أنه تكريس لمبدإ المغرب غير النافع !؟ أم أنها إكراهات متعلقة بالتضاريس و المناخ ؟ لسنا هنا بصدد الإجابة عن هذه التساؤلات، لأنها من التعقيد الذي يجعل الإجابة عليها من قبيل الإجابة عن سؤال فلسفي لن يوصل لأي نتيجة. لكن طرحها يوصلنا إلى حقيقة واحدة أن المواطن الشلح هو ذلك المواطن البسيط و المقهور في البوادي النائية و الذي "تجود عليه" مؤسسات الدولة بالصدقات من سنة إلى أخرى مما لذ و طاب من قوالب السكر و معها بعض الزيت تسهل عليه الولوج في فصل الشتاء القاسي. و توديعه لمدة شهر أو شهرين لأنه سيكون منقطعا عن عالم الأحياء خلال هذه المدة، و كأننا تعتقده ذلك المخلوق البري الذي يدخل سباتا شتويا و لن يصحو منه إلا خلال أيام الربيع الدافئة و الجميلة و المزهرة!!! المواطن الشلح هو ذلك المواطن الذي يكمل جميع مراحل التعليم الإبتدائي و الإعدادي و مازال لا يستطيع فك رموز اللغة العربية ناهيك عن الفرنسية. المواطن الشلح هو ذلك المواطن الذي إذا مرض لا يملك إلا ما تجود به الطبيعة من أعشاب برية أو الدعاء، لأن الطبيب يوجد على بعد عشرات الكيلومترات الوصول إلى الجنة أقرب من الوصول إليه. إذ غالبا ما تنتهي رحلة طلب الاستشفاء في مستودع الأموات أو الإحالة على مستشفى آخر يبعد مئات الأميال داخل "المغرب النافع". المواطن الشلح هو ذلك المواطن الذي يحكم نفسه بنفسه بالعرف و التراضي و التقاليد في غياب شبه كلي للقضاء، و لا يوثق الزواج و الطلاق و تقسيم الإرث و... إلا للضرورة.تفاديا لسير وأجي في رحلات ماراطونية مصاريفها تعول أبناءه لشهور. المواطن الشلح ذلك المواطن الذي لا يملك وظيفة في قطاع عام و لا شغلا قارا بأحد المعامل "إن وجدت أصلا" يمكنه من العيش الكريم، بل أشغال شاقة على امتداد السنة و انتظار ما تجود به السماء، حتى إن جادت بقليل القليل فيجب تقسيم المنتوج على أيام الحول... الموطن الشلح ذلك المواطن الذي يحتاج إلى معاملته كمواطن مغربي فقط. له الحق في الطريق و الماء و الضو و الشغل و السكن و الصحة و التعليم و الحياة الكريمة. و الكف عن نعته بأبشع الصفات بل تقديره و احترام صبره و طيبوبته. و حبه للوطن و رموزه و الدفاع عنهما و التضحية بكل مايملك من أجلهما منذ القدم. فلنعطه حقه المستحق قبل أن نفكر في إعطاءه الصدقات، لأن تجربتي أثبتت لي أنه أولى الناس بالاحترام و التقدير. فكم في الجبال من فقراء يتعففون من مد أيديهم حتى تحسبهم أغنياء من التعفف، و كم يصبرون على الجوع و البرد و انعدام الشغل إلى درجة أنه ينطبق على جلهم قول القائل : ((عجبت لامرئ دخل بيته فلم يجد فيه ما يطعم عياله ولم يخرج للحاكم شاهراً سيفه )) المواطن الشلح المسلم طبعا ينتظر العزة و الكرامة في وطن ضحى من أجله آباؤه و أجداده و مايزال هو أيضا على نفس الدرب و ما صمته إلا صبر و تجنب للفتن فعلى المسؤولين العمل بنفس المنطق و تجنيب المواطن الفتن و معاملة المواطنين بالتساوي دون تمييز أو تفضيل أو العمل بمنطق إطفاء الحرائق لأن ما جميع الحرائق تطفأ و الرماد يذر فقط في العيون قبل أن ترى من جديد و لا يطفئ الجمرات المتقدة بل يؤجل تأججها فقط...