من سير مجاهدي أزيلال المناضلة نظرا لكثرة التهميش والاحتقار للعنصر البشري في منطقتنا , بدا لنا , وكأننا صحيح لسنا قادرين على الفاعلية والعطاء , وان وجودنا في منطقة جبلية قاسية –كما يجعلوننا نعتقد- لا نستطيع فعل أي شيء ,وأخذنا نتخاصم , وابتلعتنا بطون اللعبة السياسية الانتخابية البرلمانية والجماعية , معتقدين أن أي واحد منا , إن وصل إلى قبة البرلمان أو قصر البلدية أو كوخ الجماعة في أعالي الجبال , سيغير واقعنا , وسينعم علينا بالطرق المعبدة والمريحة , والمستشفيات الجيدة الكبيرة ,والمدارس الممتازة ذات التعليم الجيد الممنهج الملائم لسوق الشغل . ومنذ الاستقلال ونحن نحلم , ونتخيل أننا سنصل إلى تغيير جدري , وأصبح حالنا كمن يمد كفيه إلى السراب منحنيا بغية الشرب من شدة الظمأ والعطش . ولعل هذا الهم الكبير الذي نحمله , يذكرني بنكتة انجليزية تقول : في حديقة عمومية , جاء جمهور غفير لمشاهدة قرد كبير الجسم من فصيلة الغوريلا , يقوم بحركات مضحكة , فجأة اختفى القرد في صندوقه , وبقيت صور ضحكاته معلقة أمام هذا الجمهور . وهو حالنا استفاد من استفاد من الاستقلال والحرية , وبقيت معظم طرقنا الجبلية لم ترمم منذ فترة الاستعمار الفرنسي . مستشفياتنا هزيلة ,منعدمة الدواء , والمريض في حاجة إلى أدنى عناية وهي الاستقبال البسيط والابتسامة الشافية , ولا أريد الحديث عن الأمهات الحوامل اللائي يسكن في أعالي الجبال مع المعز والأغنام . فويل للذين يلعبون بمصالح المواطنين , "كل من عليها فان , ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " . مدارسنا ويا ويلنا منها , إكتضاض في الأقسام , برامج غربية ,بنيات تحتية هشة , أكل عليها الدهر وشرب , تخطيط نخبوي متلون بتنظير استعماري لوبي , يذكرنا بكيتوهات اليهود أيام أدولف هتلر . معارضة شديدة وحاسمة لتفيناغ , وكان الأمازيغ من بني قينقاع أو بني قريظة . من خلال المسار الطويل الذي يمر منه أي تلميذ في جهة : تادلة – ازيلال خاصة , وباقي جهات المغرب , نلاحظ أن التاريخ المغربي قام بالإهمال التام للمجاهدين والثوار بجهتنا , الذين قدموا الغالي والنفيس , من اجل حرية واستقلال هذا الوطن , وهل فعلا نحن اليوم أحفادهم مستقلين كما كانوا يتمنون لنا في هذا اليوم بالذات , وفي نفس هذه اللحظة أيضا ؟ . وبما أن الموضوع يحتاج وقتا طويلا , أود إنصافا لهؤلاء الذي لازالوا يعيشون في ذاكرة الشعب , أن احكي ولو باختصار بعض مواقف البطولة والشهامة التي اتسموا بها أيام القمع والاستعمار الفرنسي , لعلها تغني ثقافة جهتنا المحترمة , وبالمناسبة أدعو كل من له نصيب من هذه الخصال الرائعة التي لم تدون , أن يغني الموضوع في بوابتنا الغالية والتي يرجع لها الفضل الكبير في ربط أواصل الحوار والتفاهم بين أبنائها . إننا جهة منسية مندرجة في الفكر الرجعي الطبقي والنخبوي الذي ظهر بقوة إبان مرحلة الاستقلال المنطلق من فكرة المغرب النافع والمغرب غير النافع . إن أول من يتبادر إلى ذهننا حين نتحدث عن المجاهدين الكبار بازيلال , سيدي احماد احنصال , ولا اريد أن اقول "احمد الحنصالي "، حتى أكون واقعيا ولو في نقل الاسم بالنطق الصحيح والسليم .فمن أجمل ما نسرد له , ثورته المشهورة على المستعمر في امرصيد و في شعبة يمر منها إلى الآن منعرج طرقي معبد بين بين الويدان وافورار . ظل طيلة ثلاثة اشهر في حدود ايت سخمان وتاكزيرت مختبئا في غابة البلوط الموجودة في منطقة "البراقيق " بايت سخمان , ولازالت المرأة التي كانت تزوده بالأكل حية ترزق إلى اليوم إلى أن استعمل المستعمر بياذيقه وخونة الوطن للامساك به ووضعه بسجن عكاشة بالدار البيضاء , في نفس الزنزانة التي كان قد سجن بها هرم حزب الاتحاد الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد آنذاك . ومن أجمل المواقف وما قاله الشهيد , اخبره احدهم انه قد حكم عليه بالإعدام , ولم يعرف الشهيد ما معنى الإعدام , أجابه عبد الرحيم رفيقه في الزنزانة : سيضعون قطعة ثوب على وجهك ثم يرمونك بالرصاص . واسمعوا يا إخوتي ماذا قال الشهيد : ظننتهم سيقطعون جسمي طرفا طرفا , وأنا حي , والحمد لله عندما أموت تابعوا انتم النضال حتى يتحرر الوطن كله . هذه كوة صغيرة نطل منها على حياة هرم الجهاد والاستشهاد في سبيل الوطن ,ناهيك عما عرف به من بسالة وشجاعة في مناطق أخرى كزاوية احنصال مثلا . وهنا أتساءل لماذا لا نصنع ثمثالا في وسط ازيلال العريقة لهذا النمط الفريد من نوعه من الرجال الذين قال فيهم سبحانه وتعالى «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الهث أمواتا , بل أحياء عند ربهم يرزقون » . ومن يعد إلى كتاب الاستسقا , سيجد هرما أخر لا يعرفه الجيل الحاضر وخاصة أبناء واويزغت , وهو المجاهد "زايد ابراهيم " هذا الذي كان لا يخاف نهائيا من المستعمر الفرنسي , وقد قتل كثيرا من جنوده في نواحي وايزغت وتلوكيت نايت مصاد , ولما القي عليه القبض من طرف "دوباري " القائد العسكري الفرنسي بواويزغت , سأله هذا الأخير متهكما كما العادة من الفرنسيين : الم تشعر بالعار , وقد قتلت ضابطا فرنسيا كبيرا ؟ . وأجابه السيد زايد بالشهامة الامازيغية : الم تشعروا انتم الفرنسيون بالويل والعار كذلك ' لقد قتلتم مغاربة امازيغ من واويزغت , لهم قامات طويلة أخرهم يبلغ مترا وثمانون سنتيما . ومن أجمل ما عرف عن هذا الهرم الرائع , انه بعد قضاء فترة السجن , رجع إلى الجهاد والدفاع عن حوزة الوطن, ثم قبض عليه مرة ثانية , بحضور نفس الضابط , ولكن هذه المرة بحضور خائن من واويزغت كان موظفا يعمل لصالح المستعمر , وهو الذي بلغ بمكان وجود المناضل زايد , ولما وجده زايدا واقفا وخائنا أمامه , اندفع بسرعة نحوه ولطمه لطمة قاسية , جعلته يفقد وعيه بعض الدقائق , وحكم زايد مرة أخرى , ونال المغرب الاستقلال , ورفض مجاهدنا الكفاءات المادية , إيمانا منه أن الدفاع عن الوطن لا يباع ولا يشترى , بل له اجر كبير عند الله سبحانه وتعالى . وشاءت الأقدار أن عاش المجاهد الكبير بعد الاستعمار , وكان يحرث أرضه المتواضعة ويعصر الزيتون , ويتجول ببعض لترات زيت الزيتون , باحثا عن المشتري , وبينما هو كذلك مرة في مدينة برشيد , مر قرب دكان كبير , طلب منه صاحبه مع بعض الجالسين معه , أن يبيع لهم الزيت , اقترب زايد , فسأله جالس مع صاحب الدكان : أنت هو "زايد ابراهيم " , وضع صاحبنا قارورات زيته على الأرض , واقترب منه حتى عرفه , ثم تراجع شيئا ما إلى الوراء , فهوى على الرجل بلطمة قوية , جعلت الجالسين يقفزون من أماكنهم , وقال زايد مبتسما ساخرا منه : لطمتك في عهد الاستعمار , والآن أ لطمك كذلك في عهد الاستقلال . يا خائن الوطن . هذه بعض المواقف الجريئة , لرجال عاشوا في الظل , وماتوا شرفاء , فقراء الأموال , أغنياء النفوس , و " إن الله لا يضيع اجر المحسنين " صدق الله العظيم . محمد همشة اكادير في : 14/08/2011 .