محمد بوكرين المقاوم والمعتقل السياسي الذي قضى 16 سنة في السجن خلال حكم الملوك الثلاثة (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، شارك في الإعداد للثورة المسلحة الأولى ببني ملال، يعتبر من أشرس المعارضين في تاريخ المغرب المعاصر الذي لم تزده السنون إلا إصرارا على مواقفه والمزيد من الدفاع المستميت عن قناعاته. - من هو محمد بوكرين؟ < ولدت في نونبر من سنة 1935 في منطقة سكورة بزاوية آيت سيدي علي بآيت شخمان أغبالة، كان تاريخ القبيلة معروفا في الأطلس بالمقاومة التي واجهت الاستعمار، كما واجهت فيما بعد المخزن، وشهدت عدة ثورات كان أشهرها ثورة الأهالي ضد مولاي سليمان التي تجلت في معارك سراتة .ولأنني كنت منذ طفولتي أهتم بما يدور حولي، خاصة بعد خروجي من القبيلة وانتقالي للدراسة سواء بآزرو أو قبل ذلك بالقصيبة، لذلك انتميت في شبابي المبكر إلى العمل السياسي، فانتسبت بداية إلى حزب الاستقلال، موضة العصر آنذاك، حيث كان كل من لا ينتمي إلى حزب الاستقلال ينظر إليه على أساس أنه خائن. وبعد التغيرات والتحولات وحالة التذمر التي عاشتها الأطر الحزبية قبل 1959، خاصة أمام السلوكات التي كانت تصدر عن القيادات بالحزب، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، استمر هذا الوضع إلى أن قام الأخوان في إملشيل محمد بنراضي وزايد أوميدو بتعليق لافتة لجيش التحرير بجانب مقر حزب الاستقلال، فقامت السلطات باعتقالهم، وأذكر آنذاك أنني سافرت برفقة المهدي بنبركة إلى عين المكان. اتجهت منذ البداية إلى التخطيط والتنظيم، حيث كنا نتحرك بدينامية عجيبة، وكثيرا ما شارك معنا المهدي بنبركة في محاضرات في أعماق الأطلس، وأذكر أن المهدي كان أيضا ينظم محاضرات ولقاءات كثيرة بالأطلس، وذات مرة استقبلته أنا والخليفة آنذاك المشهوري (والد الوزير السابق مصطفى المشهوري) مباشرة بعد لقاء نظمه بإملشيل وجاء معنا إلى القصيبة. - لكن ماذا عن مشاركتك قبل ذلك في جيش التحرير؟ < لقد أسسنا جيش التحرير بالأطلس قبل جيش التحرير الذي كان معروفا فيما بعد بقيادة عباس المساعدي، كنا قد خططنا للهجوم على 26 مركزا فرنسيا، انطلاقا من كلميم بالجنوب، لكننا فشلنا بعدما اعترف أحد المشاركين بعد اعتقاله قبل أسبوع من انطلاق الهجوم، ثم تأسس فيما بعد جيش التحرير بالشمال ، أفلتت آنذاك من الاعتقال بأعجوبة لأن من كان سيعترف علي قام خاله بإرشاء أحد الفرنسيين وأطلق سراحه، وانتميت إلى المنظمة السرية التي كان يقودها الشهيد الزرقطوني، وليس إلى منظمة اليد السوداء التي كانت تابعة لحزب الاستقلال، فالكثير من الجرائد أخطأت ونسبتني إلى منظمة اليد السوداء، لكن في الحقيقة أنا كنت في المنظمة السرية. تعاونا فيما بعد في دعم جيش التحرير بتدبير بعض الأسلحة والمؤونة، واستمر الوضع إلى حدود سنة 1960 سنة اعتقالي الأول. - لنتحدث عن ظروف الاعتقال الأول لمحمد بوكرين في عهد الملك محمد الخامس؟ < كما هو معروف في بداية الستينات، كانت هناك ثلاث قوى متصارعة حول الحكم، القوة الأولى مثلها القصر ومن والاه آنذاك، والقوة الثانية كانت تتمثل في حزب الاستقلال، والقوة الثالثة كانت تتشكل من رجال المقاومة وجيش التحرير والقوة العمالية، ومعروف أيضا أن الصراع الداخلي في حزب الاستقلال بين القوى المحافظة بقيادة بلافريج وعلال الفاسي والمجموعة التي ستؤسس فيما بعد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شتنبر 1960 تم تحرير لائحة سوداء، كانت تضم 400 شخص بالمغرب، منهم 8 أشخاص بمنطقة تادلة وأزيلال، وكنت أنا في اللائحة، بالإضافة إلى كل من القائد الممتاز ببني ملال البشير بن التهامي، وحاكم السداد محمد المذكوري، والتاجران حسن العريبي وحماد أوبوجو، وحدو امحى نايت التوس أوداد شيخ زاوية أحنصال، وسيدي موح أحنصال من تاكلفت (توفي السنة الماضية). وفي أكتوبر، وبعد مضي شهر واحد على عقد المؤتمر التأسيسي، بدأت الاعتقالات، فاعتقل الفقيه البصري، وبعده قادة المقاومة وجيش التحرير، فتم اعتقال سعيد بونعيلات، والمتوكل بوجدة، والسكوري بتطوان ومولاي عبد السلام الجبلي، وشنت الدولة حملة اعتقالات ومطاردات لكل عناصر الحزب، وأصدر حزب الاستقلال جريدة كان يديرها حسن التسولي اسمها «الأيام»، حيث كان كل من ورد اسمه في الجريدة يعتقل في الغد، فكانت بمثابة الموجه لعمل البوليس، بل وكانت تعلن أن هدفها هو الإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم، لذلك بمجرد ما سقطت حكومة عبد الله إبراهيم توقفت عن الصدور، طبعا لم نبق مكتوفي الأيدي، فقد قررنا للدفاع عن أنفسنا، وأن نقوم بانتفاضة مسلحة في كل التراب المغربي في شهر مارس. من ذكريات هذه الفترة أن عبد السلام الجبلي، القائد الوطني الكبير، كان مختبئا في دار أحد الشيوخ بسيدي عيسى بإقليم بني ملال، وكنا نعقد معه اجتماعات شبه يومية، في حين تعبت مصالح الأمن من البحث عنه في كل التراب الوطني.