يتساءل الكثيرين كيف عسى يساهمون في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يهز البلد دون أن يلقوا بأنفسهم في تهلكة تخاطر بمصالحهم الجارية أو المرتقبة ودون أن يتسببوا في حرج لمن يظنوهم ذوي النعمة عليهم فيتخلفوا عليهم ويتركوهم بلا سند ولا دعم وكأن الأمر لعب و لهو. يقولون لك: إننا معكم، إذهبوا واحْتجوا وعبروا فنوايانا من نواياكم واصبروا وصابروا إنا هنا منتظريكم. ينبهونك أنه ليس كل ما يريده المرء يناله حتما فرحين بفتواهم التي بها يحلون قعودهم وتقاعسهم ويحرمون المس براحتهم ومصالحهم الضيقة الآنية متخذين لنفسهم هيئة النصوح العارف الثاقب الرأي المتعاطف بيد أن ولاءهم الحقيقي لا يمكن أن يعارض الفساد ولا الطغيان الذين منهما يستمدون من السكوت والصمت عليه وجودهم وراحتهم. ألفوا المذلة لا يضرهم أن تجهض آمالهم وأحلامهم بعد أن استسلموا لتعاقدات توفر لهم غلبة صورية على الواقع ما دامت توفر لهم الحماية من الجيران الأكثر فقرا والأسهل استغلالا وما دامت توفر لهم كذلك سلطة على من هم دونهم في سلم التراتبيات المهيمنة ومادامت لا تولي اهتماما لتناقضات خطابها الرديء المحتال وسلوكها المشين والمهين. تكتوي الشعوب من حولهم وهم في لعبهم يعمهون، يفتك بالشباب بالمئات وهم ينظرون ولا يحركون ساكنا، تدك الأرض دكا بنار الطغيان وهم يحتفلون باستمرار غيهم، يسجن الأطفال والمراهقين والنساء والرجال في نفس السجون التي هتكت أعراض آبائهم وأمهاتهم فيها ويبخلون بلحن وبأغنية وبوقفة وباعتصام يفيدون رفضهم واستنكارهم أفلا يستحيون من الأجنبي يحتج ويستنكر ويفكر كيف يرد هذا البأس وهم في صمتهم يركنون. إن الهدير لا محالة بالزوبعة آت وبالطوفان، كم من نذير أتاهم وآذانهم عنه موصدة أو كأن بها نقر فلن يعوا إلا وقد أخذهم حيث لا يحتسبون. تتجول في عواصم العالم وعبر الفضائيات وتتابع النقاش الاقتصادي والسياسي وتجد الكل اتفق على أن الخطب جلل وتتوقف في بلاد العرب ولا تسمع إلا كلاما جميلا يناسل نفسه منذ الأزل يقول لك إن الشعوب في بحبوحة ورضاً تامين سعداء بأحوالهم وبما منحهم حكامهم وسادتهم من عدل وفرص للشغل وتوزيع لخيرات بلدانهم ومساواة في الحقوق وإبطال كافة أسباب الكدر السياسي والاجتماعي والثقافي واحترام الأقليات العرقية والدينية ويحدثونك عن حسد الحاسدين وتسخير الرعاع للمس بالأمن الذي ينعمون فيه بكرم وفضل سادتهم خوفا مما قد يؤولون له إن توحدت كلمتهم وتمكنوا من الأرض كما سبق أن فعلوا. يشدون على القرون ليحلب الآخرون، يعدون بأفواههم ويتأخرون بأعمالهم، ينقضون العهد غير آبهين بثقل ما يفعلون. يكذبون عينيك ويرمون عقلك بالتيه والسفه فما رأيته توهم وما سمعته ناموس كافر وما توصل له عقلك ضلال وشطط وكل اختلاف منك خلاف يستحق العقاب إذ هو خروج على الرأي وجب أن يُقمَع وأن يُكَفَّ عن الناس. كلا، إن ما رأيته هو الحق الصواب وإن عزمت فتوكل فلن يكون لك إلا الثواب.