وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين و الآخر أستحضرها من الذاكرة. افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص السابع من كتاب "سفر ابزو". شمس الأسلاف خبريني أيتها البلدة المنفية في حزنها السرمدي عن أول شعاع غازل جسدك البدائي، وعن أول قطرة ماء سقت جذورك الضاربة في عمق الزمن قبل أن يورق ما حولك، وتتعالى بين جوانحك أصوات الحياة. خبريني عن أول جد وطأت أقدامه طميك، وفتت يداه الصخر ليسكن إليك، ثم امتطى الصهيل دودا عن حماك، وعن حمى جدتي...جدتي التي كانت تحسن الحكي، وقطف السنابل، وعن العصافير التي كانت تعشق غناء جدتي وهي تجمع النار، أو تطعم اللهاة حبات السنابل، كم أحن إلى وجهها الأمازيغي وقد زانه الوشم، وإلى أناملها المنقوشة بالحناء.. وماذا عن راعينا، وهو يطرق الأبواب ليجمع القطيع، ويخرج به إلى البراري، إلى مروج لم يتبق منها غير اليبوسة؟ وماذا عن مواويله الحزينة الآتية من غربة الأزمنة الفائتة؟ وحدثيني عن صبية الحي وهم يلعبون، يتدافعون، يصطخبون؟.. وأنبئني بلون الريح التي كانت تمر من هناك محملة بعطر الحبق والشيح، وتعزف أوتارها نغم حياة تمضي هادئة بلا صخب، بلا ضجيج. وأين هاجرت العنادل، والصقور؟ والرقصات الأمازيغية، والتي عمرت أرجاء المكان بهجة، لم خرست الأجساد عن الكلام؟ أين راح أسلافي؟ أي وجهة اتجهوها فأمضي على أثرهم؟ هل تدفقوا مع دمائهم التي جفت؟ أم انسكبوا دموعا وفيها غرقوا؟ أم تراهم علقوا في حبال مشنقة من أعتقوا؟ أصحيح أن خطاهم قادتهم إلى قعر طيبوبتهم، فانسحقوا؟ أم ترى أحرقتهم نار قراهم؟ وكأن الوجوه التي أرى اليوم تشي بجريمة حدث على مرأى تاريخ متواطئ وملعون، إني لأشتم رائحة قبيلة عاشقة ماتت بأسرها من عشقها. أرشديني أي ركاب من الحزن أنظم إليه بعد الذي حدث؟ وكيف لي أن أسرق الابتسامة وأسناني تصطك من برودة الموت، وصهد الدمار؟ شاحبة شمس هذا الصباح، أراها تختبئ خجلا، تتهم نفسها، وهي الشاهدة على ما جرى، تعلم أن الذين أشرقت من أجلهم لم يعودوا ها هنا، وتعرف أن الضيوف سرقوا بيت المضيف، ولكنها لا تستطيع أن تقول