أنا، مقلوب، وأمشي على رأسي وأتنفس من نخارس الباب. هكذا قلتها لجدي.. في إحدى حواراتنا الجوفاء. اقتباسا وتيمنا من قولة كارل ماركس عندما همس في أذن صديقة هيجل. ربما السبب يعود إلى تفكيري المفرط، في أمور لا طائل منها، غدت كفقاعات صابون تندثر مع كل إشراقة شمس، أو ربما سبب انقلابي، وهنا لا أقصد البتة، الانقلاب على الأنظمة السياسية الحاكمة. وإنما خوفي من الغد القريب، الذي لن أعيشه الأن.. وبالتالي هل سأموت الليلة إن بت بلا عشاء؟ وهل سأعيش غدا على نغمات نشاز لسيمفونية أمعاء جوفي، التي أصابها فيروس. فيروس لم يحصل الشرف لدى علماء الأحياء التعرف عليه. أنا، مقلوب، من كثرة أكل القطاني ولا أقصد بالقطاني القطن رغم الاختلاف الحاصل بينهما، والإتلاف، الذي قد ينشب بين حروفهما. القطن ينهك ويفقر التربة.. التي لن تكون أهون من معدة عبد ضعيف ونحيف مثلي . أنا ،مقلوب، كلما علمت، أن لا أحداً اكتشف لقاح ضد سعار الأسعار، كما فعل العالم الفرنسي "لويس باستور" ضد داء الكلب، فأينك يا "لويس" لترى ما حل بنا ؟ وأين أنابيبك واختباراتك العلمية، التي قادته إلى العالمية ؟ أنا، مقلوب، كلما لم أدرك سبيل تذوق حساء الأسطورة "ستغيكس" و"أوبيلبيكس"، التي تجعلك كقوة حصان عنترة، وكصلابة حجر الصوان، وكجبروت الطاغية النمرود. حساء أعتكف من ورائه عن أكل الخضروات والفواكه، التي أصبح المغاربة يحسبون لها ألف حساب كلما توجهوا إلى السوق لاستئصال شأفتها من قبضة بائعيها . أنا، مقلوب، لأني واحد من هؤلاء المغاربة المغتربون، داخل وطنهم، وداخل مملكة سوقهم. ذاك السوق المليء بالضجيج المنضم والعبث العفوي. أنا، مقلوب، كلما شخصت بصري في لوحات أصحاب المتاجر، التي باتت مثل فزاعات تحمي منتجاتها وترهب زبنائها من اقتنائها . أنا، مقلوب، كلما رمقت الخضروات، والفواكه والمواد الغذائية، تتراقص وتتغنج أمامي كفتيات مراهقات نكاية في ضعف قدرتي الشرائية. أنا، مغلوب، على أمري كلما انهال علي البادنجال الأشبه بقفاز ملاكم همجي، باللكز، والصفع، والتنكيل . أنا، لم أعد أقدر، على النظر في وجه الطماطم، التي لم تعد تخجل من أنوثتها ولا حتى من نسمة ريح في أيام رمضاء حارقة، تستحي منها. أنا، مندهش، لأمر ذاك الصبي، الذي لم يأكل البطاطس كما آمرته والدته، وكما وصفه لنا القصاص المغربي أحمد بوكماخ في سلسلة "اقرأ".. الآن البطاطس آنذاك كانت بأخس الأثمان، أم أن الولد عبر عن احتجاجه لغلائها؟ أم أنه كان يجد صعوبة في هضمها؟ الجدل الموجل في الحكاية، أن الولد كبر، وقوي عوده وشارك باحتجاجاته المشتعلة مع حركة 20 فبراير الحالية. أنا، مسلوب، لحق شرب عصير عصرنا وبلادنا. رغم أن بعض الفواكه الدائمة الضحك على ذقوننا. والتي تصل إلى درجة "التقلاز" من علبها الموجهة نحو التصدير.. لكن لن أتنازل قيد أنملة، في جمع شتات حوامض بركان، وكروم مكناس، وتفاح بوكماز، وموز سوس، في أكبر خلاط. لأحصل على خليط متجانس دون إضافة مواد حافظة ولا سكر. السكر، الذي بدوره فقد حلاوته بعد قفزته الجنونية، و التي حرمتنا من اقتنائه، بأريحية مطلقة، بل بالأحرى حفظتنا من داء مزمن يدعى داء السكري. أنا، مشوي، على فحم أسعار لحم، الذي لم أعد أعرف له موطنا؛ إلا بعد ادخار لمال طيلة السنة، بغية شراء كبش ذوقرنين كبيرين، لأمزق لحمه، وأفترس عظامه، وأشوي كبده، وطحاله، ورغم ذلك لن تنطفئ جدوى محترقة في صدري، ولن أشفي غليل شهور الحرمان من اللحم. أنا، مقلوب، إن لم أسر على منوال الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، في تعايشه مع الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء.. وسأبقة أردد أنشودة الجبابرة، أو هكذا قالها باطليموس. هشام الضوو صحافي بصحيفة "الصحراء المغربية"