في أحد أيام الصيف الحارة من أوائل سبعينات القرن الماضي ، ناداني والدي وأنا أرعى قطيعاً من الغنم . وحيث أن قساوته كانت تفوق قساوة الطبيعة التي كنا نعيش فيها (الجبل) ، حضرت على التو لإجابته . قبلت يده ورأسه وناولني ثلاثة أشياء : 1- كتاب اللغة العربية : كتاب المطالعة للسنة الأولى الثانوية آنذاك (التسمية القديمة) Nouveaux textes français , 1ère année secondaire 2- كتاب اللغة الفرنسية : وقال لي : " لقد نجحت في بيت الشهادة ، وهذان الكتابان من طرف مدير المدرسة ، يأمرك أن تقرأهما خلال العطلة الصيفية " وتم ذلك فعلاً . علمت فيما بعد أنها كانت جائزة دراسية . أما الشئ الثالث الذي ناولني إياه ، فهو علبة من الرقاقات " باكية باسطة " كانت تحمل اسم "أربعة" . !!! أي مذاق ذاك !!! أية رائحة تلك !!!أية فرحة تلك بيت الشهادة هذا كان يحمل اسم المتوسط الثاني أو الخامس عند البعض . كنت أحب أن يسألني أحد المارة أو الجيران : " في أي بيت تدرس يا ولدي ؟ " لأجيبه بسرعة : " أنا ... في بيت الشهادة " لَكَم كنت أنتشي باستعلائي على التلاميذ الصغار من مستويات التحضيري والابتدائي الأول والابتدائي الثاني والمتوسط الأول ، وهم يتوسلونني ويلتمسون مني فك وحل بعض المسائل والتمارين والواجبات المنزلية . كنت أفعل هذا مقابل قلم ملون صغير ، أو برتقالة ، أو كسرة خبز أبيض ، أو قطعة حلوى عادية ، وفي بعض الأحيان تقتصر أجرتي على كُلة أو كُلتين حديديتين . أحياناً أقرأ رسالة من أحد الجنود مقابل خمس فرنكات بيضاء . ولَكَم كان يسعدني أن يستدعيني معلم اللغة الفرنسية من فصل آخر لفك تمرين عجز تلاميذه عن فعل ذلك ، أما في اللغة العربية ، فقد كنت آكل ما يأكله الطبل في العرس . أتذكر أصدقائي ، كنا تلاميذ أبرياء ، نجباء ، غنيي المعرفة ، ظرفاء ، وديعين غير مشاغبين . أحن إليهم جميعهم ذكوراً وإناثاً . لوخُيرت الآن بين أمور كثيرة ، قد أفضل أن أعود تلميذاً في بيت الشهادة .