وأنا في عزلتي تذكرت قبيلتي الأمازيغية،التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة، ولأني أفتقدها كتبت ما كتبي، وإليكم النص الأول من كتاب سفر ابزو: 1 نِداءُ الأسْلافِ أمْضِي إليْهِ شَاردًا، أسْعَى إلََى هَسِيسِ صَدًى يَطْلَعُ خِلْسَة مِنْ بَينِ الوِدْيان، وَإذْ أدنو منه، يخفت ويتلاشى، أشعر وكأنه سيرحل وإلى الأبد، ولن أسمع له حفيفا. ولكن ماذا عساي أن أفعل، وأنا المبتور الأصابع، وكيف لي أن أمده بحبل النجاة، وأنا أترقب من ينتشلني من غرقي، وأنا المتشح دوما بغربته، أيكون هذا الصدى الذي ما فتئ يضيع صداه من بقايا حنجرة أسلافي، أقادر أنا على محاصرته وملامسته ومعانقته. هو التوهان إذ يسجنني في دهاليزه ويسد علي المنافذ المؤدية إلى النور. وها أنأ ذا أحث السير، أتبع خطاهم، أتمدد على حافة الوديان، ألتقط صداهم، أعرس فوق قمم الجبال، وفي بطون السهول، أرعى بقاياهم. عالق بين سَعْفات النخلة، في مرقبة هاوية، تسيجها الأشواك التي تفتح دمعي على حقب ماتت. وكأني بالطين وهو يحرك شفتيه يتلو تعويذة علها تعيد للوقت الفائت صداه. أحيانا يتوهج صوت أسلافي على ثغر امرأة أمازيغية تحمل رضيعها وتهدهد نومته سقطت من قِرَبِ من رحلوا وما ودّعوا، وأحيانا من ربابة رجل أمازيغي يرتدي بُرنسا معقودا إلى الخصر، أو يسيل من فم دلو يمتح من نهر ليسقي بستانا بالخضرة. من ينصت إلى حفيف أشجار الصفصاف والجوز، من يتتبع همسات الماء وهي تسيل من بين الصخور الصقيلة، ويتهجى رغاء البعير والشاة، سيدرك أن نداء أسلافي سيبقى خالدا، أبدا لن يموت، إنه يمتد في العين والقلب، ويتغذى على ما فضل من روائح الأجداد، والتي تجود بها الأحلام مرة مرة. عندما يشدني الحنين، أنزع حدائي لكي لا أزعج صداهم، وأبحث عنه دامي القدمين في متاهات كانت يوما ما مَجْمع أفراحهم وأتراحهم، ولما يقهرني المسير، أتمدد على حافة تعبي، فيأتيني صوت أشبه بصوت قربة معلقة للريح: "هو ذا صدى ونداء أسلافك، إجمع شرودك، ولقّن أبناءك سر أزليته وسر نبْراته ليستمر فيك وفيهم وإلى الأبد." ذ. المصطفى فرحات