عنف ... جريمة ... سرقة ... دم ... رصاصات في الصميم ... صراخ ... تأوهات ... و كالعادة في النهاية ضحية من الضحايا .ولكن ما السؤال الذي لا بد أن نجد إجابة عليه ؟؟ ما الحكاية ؟ .. أهو الخوف من البطش و الظلم ؟ أهو الإرهاب الحتمي كما يحدث في العالم الآن ؟ أهو السكينة التي يجب أن تسود الناس بعد أن يسمعوا صراخا أو أنينا . لكن الإجابة على هذه الأسئلة تظل حائرة مترددة على الشفاه ثم تتحول إلى القلوب فتجعلها واجفة قلقة ... وتظل الإجابة تغوص في أعماق النفس ولا تستطيع حتى أن تخرج لكي تناقش ، وتظل الأعين مفتوحة و الشفاه تنبسط ببطء ورجفة ، بل ويتحول الهمس إلى صمت مكتوب بالإشارة تارة وبإيماءة تارة أخرى .... وتتحول العين دائما إلى الشاشة الصغيرة فنجد مظاهر القوة و التجبر و التسلط على هيئة بطل يجري و يصرخ صرخته وكأن الدنيا لا تتسع لسواه . هكذا تسود مظاهر هذه القوة ، حتى أصبحنا نعرف أن هذه الأفلام تدخل ضمنا في مقررات ملزمة لكي نشاهدها يوميا ، شأنها كشأن المسلسلات المكسيكية و التركية ، وأحاول أن أجد تفسيرا لكل ما يجري أو مبررا واحدا لكل ما يسود الناس من تساؤلات .. عدت إلى التاريخ أقرأ منه بعضا من الصفحات محاولا إعادة التفسير مرة أخرى لعلي استشف منه أحداث اليوم فلا أجد وسيلة مقنعة لما نراه من شتى ضروب العنف و القهر على الشاشة الصغيرة ، أموال شعوب نهبت وثروات سلبت ، كل هذا بدعوى العدل والحق و الخير أوزيد أوزيد ...وحاولت أن أجد فيلما يبث ، لا قتل فيه ولا رصاص ولا دم ولا مظهرا من مظاهر العنف ، وإذا بي أشاهد فيلما عن سائق متهور يجوب شوارع المدينة بسرعة جنونية ...... أسر هذا الشاب قلوب الشباب وهم يقولون يا ليت الشوارع فارغة خاوية حتى نستطيع أن نقلد الشاب البطل وهو يهرب بسيارته الشفروليت الزرقاء من مفتش البوليس ...ولكن !! أقولها .. ولكن !! استغرب لها ... لماذا سعد الشباب بالسيارة المنطلقة بسرعة خيالية ، وبمن يقودها ؟؟؟ سؤال يحتاج للتأني ...أعود فأقول ربما لأنهم يرون مسؤولين من حولنا يسرقون أموال الشعب و يسرقون الثروات ويطلقون العنان للوعود المعسولة ، وفي الأخير يحميهم البوليس ... ربما ... هذا احتمال ...كانت الجريمة فيما مضى تهزنا ونلهث وراء مرتكبها ونحاول أو نسد الطريق عليه آخذين بيد العدالة حتى توقعه ، ولكن ما شأننا اليوم .. ذلك السؤال الذي أدهشني وأنا أقف وسط الشباب وهم يلهثون ويصرخون بل وكأنهم يشجعون الشاب الهارب من قبضة مفتش الشرطة .. لماذا ؟؟ ولماذا هذا التحول ؟؟ إنه تحول بزاوية 190 درجة ... زاوية حادة ... أو حتى منفرجة ... ، و العجيب أيضا أن الشباب وبعض من أناس كثيرين أصبحت الجريمة تستهويهم وأصبحوا يحلمون بتحقيق المال أو العائد السريع أو الربح الكبير بدون معاناة أو تعب ... ( الأفلام أومادير ) .إن الأجيال الجديدة تحلم بأن تحصل على الثراء و الراحة أي أن الشاب يحلم بأنه بخير وعلى خير ، له مكان في بيت ساكن يطل عليه الدفء و حنان فتاة الأحلام ... أو أن يمحو الغبار الذي يدخل في عينيه عنوة واقتدار ثم يرى العجب العجاب ... إنه يأخذ الجرعات المتكررة من أفلام القوة و العنف ثم الجريمة بلا عقاب ... فتصبح الجريمة حقا و العنف شريعة و المجرم بطلا .إن مجتمعنا على كل حال ليس بمجتمع العنف كما يخيل للبعض ... ولكنني أود أن أشير فقط إلى حقيقة خطيرة ... وهي أن هناك ظواهر نفسية قد تشيع بين الشباب نتيجة لضياع القيم أو عدم استقرارها والأخير مواز لضياعها ... وهي ظواهر قد تكون أشد خطرا من ظواهر العنف ، ولعل من أهم هذه الظواهر شيوع اللامبالاة بالمواطنين أو الإحساس بالضياع وعدم الإنتماء للمجتمع .. أو التمركز حول الذات .. أو السلبية ... والأنانية ... وأخيرا الصراعات و الإضطرابات النفسية .قدمت إحدى صور مرض من أمراض العصر ... العنف و القسوة و السرقة و الأخطر من ذلك التبرير لها و تشجيعها .