الخيانة ... هذا المصطلح الذي وضع بصمته بقوة في مجتمعاتنا الإسلامية ، وأضحى ينخر أجساد الأحياء الأموات ، هم أحياء في الرذيلة يتخبطون و ضمائرهم ميتة لهول ما يفعلون . فحسب رأيي البسيط ، أرى أنه من واجبات كل طرف في هذه العلاقة أي ( العلاقة الزوجية ) مراعاة الإخلاص ، الوفاء ، الصدق ، الأمانة ، الالتزام ، الإحترام و الجدية ، وهذه كلها كلمات يمكن أن تندرج تحت عبارة واحدة أو قيمة واحدة ، ألا وهي \" الشرف \" . وهذا عكس المفهوم الخاطئ الذي يتصوره الكثيرون ، أو أغلب الناس من أن الخيانة الزوجية تنحصر فقط في معنى \" الزنا \" ، ولكن الخيانة الزوجية في رأيي المتواضع لها أبعاد أخرى ، وهي أشكال كثيرة ومتعددة ، و \" الزنا \" أحد هذه الأشكال ، فإن الطرف الذي لا يحترم الطرف الآخر هو في الواقع يخون ميثاق الزواج ، والطرف الذي لا يساعد ، ولا يساند الطرف الآخر ، و لا يقف بجواره في وقت أزمته الصحية والمادية و النفسية ولا يبدي الإهتمام بمتاعبه ولا يشاركه أوقاته السيئة و عثراته ، فهو يخون ميثاق الزواج . كما أن الطرف الذي ينصرف عن الآخر بتفكيره ، و عواطفه هو في الواقع يخون ميثاق الزواج. ولكن يأتي بعد ذلك شكل آخر من أشكال الخيانة الزوجية ألا وهو \" الزنا \" وهو أبشع أشكال الخيانة الزوجية وأقبحها على الإطلاق . وكل النماذج السابقة ولو أنها أقل قوة ، وأقل بشاعة إلا أنها تعتبر أشكالا متعددة من الخيانة ، أشكالا جديرة بالبحث و الدراسة وجديرة بأن نهتم بها قدر اهتمامنا بجريمة \" الزنا \" ومسبباتها . دفاعا عن الخيانة الزوجية يقوم الطرف المخطئ دائما بإلقاء اللوم على الطرف الآخر ، ويتهمه بإهماله عاطفيا ، أو الإنشغال عنه بالعمل أو أو أو .... ولكن هل يكون ذلك مبررا صريحا للخيانة ؟؟ إذا أردنا أن نركز على الخيانة الزوجية \" كالزنا \" من ناحية الأسباب ، فعلى عكس الأشكال الأخرى من الخيانة و التي تكون أسبابها في بعض الأحيان هي مسؤولية الطرفين ، فإنه في هذه الخيانة بالذات \" الزنا \" تكمن المشكلة في صاحبها ، أي أن المخطئ ، هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة، فمسؤولية \" الزنا \" هي مسؤولية المخطئ بصريح العبارة ، ولذلك فلا يصح القول بأن وراء كل زانية رجل دفعها ، أو زوج دفعها إلى ذلك ، كما لا يصح القول بأن وراء كل زاني زوجة دفعته لذلك ، فالزوج أو الزوجة مهما كانت حياة أحدها صعبة و الطرف الآخر يسبب له الكثير من المعاناة و المتاعب في حياته ومهما كانت الحياة الزوجية فاشلة وقاسية ، فهذا قطعا لا يمكن أن يكون ذريعة أو شناعة للوقوع في الخيانة ، وقائل العكس فمراده إخراج مكبوتاته ليس إلا . أعرف \" زوجات و أزواج \" يعيشون أقسى الظروف الزوجية و السبب فيها الطرف الآخر ، ولكنهم لا يخونون بأجسادهم و عقولهم ، وأعرف بعضهم تكاد تكون حياتهم الزوجية موفقة نوعا ما ، ولكنهم ينغمسون في الفحشاء والرذيلة ، وأقول ذلك حتى أقطع الطريق على اللاتي و الذين يقولون نحن معذورون لأن حياتنا الزوجية تعيسة وفاشلة ، ولو كانت حياتنا أفضل ولو كانت زوجاتنا أو أزواجنا أفضل لما سلكنا طريق الخيانة ، ولكن في واقع الأمر هذه تعد مغالطة علمية نفسية و أنا من المعترضين عليها ، فالزواج مسؤولية ، حكم وتدبير ، ومعاشرة ، والإنسان الذي يعقد القران على فتاة فهو في الحقيقة يبدي موافقته المبدئية لبنود ميثاق الزواج وبذلك فالمسؤولية وكل المسؤولية تقع على عاتقه لأن الزواج يكون عن طيب خاطر وعن قناعات يخرج بها كل من الزوج و الزوجة قبل العقد وبذلك فلا مجال للخطأ . وهنا لا بد أن أعود لأكرر رسالتي التي تعهدت دائما أن تحملها مقالاتي بين سطورها إلى القراء الأعزاء وهي أن في ديننا وقرآننا عصمة لأمرنا ، فمن يدين بدين محمد راية الإسلام ، فهو يكتسب مناعة ضد كل الأخطار الخارجية المادية و المعنوية ، ولا شك أن القيم الدينية تشكل حاجزا قويا لعصمة الإنسان من الزلل و الدليل على ذلك أن الخيانة الزوجية تكثر في المجتمعات المنحلة المتفككة الأخلاق و العارية من القيم ، وإن هذا لخير دليل على قوة و تراص بنيان الإسلام لمن يدين به . كما لا يجب أن نغفل العوامل البيئية ، فالخيانة الزوجية كسلوك من الممكن أن تكون سلوكا شبه مقبول أو شبه طبيعي في بعض المجتمعات و البيئات حيث يكون الوعي الديني و الوازع الديني ، والإهتمام بتأكيد وتثبيت و تأصيل الجانب الديني في النفوس ضعيفا و شبه منعدم ، وهنا يبرز دور المؤسسة الأسرية و التعليمية ، والدينية ، والإعلامية لأن ذلك يؤدي إلى نوع من التسيب و الضعف في تكوين \" الأنا الأعلى \" أو الضمير أو جهاز القيم لدى الإنسان ، وهذا الإنسان يجد أن الخيانة أمر سهل ، وليست لها أعراض ، وينزل قدمه لأتفه الأسباب . وبالمثل لا يصاب بعدوى الخيانة الإنسان القوي داخليا المفعم بالأحاسيس ، والذي تربى و يعيش في بيئة صالحة ، ولكن الذي يخون هو الإنسان المصاب باضطرابات في الشخصية ، وحتى وإن كان يعيش في بيئة صحية . ويبقى لدينا أخيرا إنسان ، يعيش في مجتمع اباحي ، ويعيش في بيئة متفككة منحلة ، ولكنه يبقى أبدا إنسانا شريفا أمينا ، فالشرف والأمانة هي علاقة الإنسان بنفسه قبل أن تكون علاقته بالآخرين ، ولا ننسى أسمى ميزة يمكن للإنسان بها أن يقي نفسه وهي الغيرة ، هذا الإحساس الذي يولد من الحب ويترعرع في كنف الإخلاص ، فالغيرة تحمي بنسبة مهمة كرامة الإنسان ، فالزوج الذي يغار على زوجته لا يخونها و الزوجة التي تغار على زوجها لا تخونه و الغيرة مولود شرعي للحب . الغيرة مصطلح يحتاج في تحليله إلى مقالة ، لأهميته ومكانته ولهذا لم أترك الفرصة تمر دون أن أستغلها لأعبر عن رأيي بخصوص هذا المفهوم ولذلك اخترت عنوان \" الغيرة عذاب ونعيم \" ليكون عنوان مقالتي القادمة إنشاء الله . في الأخير هذا رأي ولكم يسند النظر