لا يكاد بعض الآباء يفارقون كراسيهم المعتادة بالمقاهي صباح مساء ، مقاهي الأفلام و كرة القدم و السمسرة و حتى القمار ..كما لا تخلو من طقوس النميمة و\"البحلقة\" في الغادي والرائح. يحتسون كؤوس الشاي و القهوة كل حسب ذوقه.الأمر عادي جدا ،لكن المثير للاستغراب أن يصل الجلوس في المقاهي درجة الإدمان عند الكثيرين. فالذين يمضون جل أوقاتهم بها رغم أن لهم أعذارهم التي تدفعهم للمكوث بها و استنزاف جل أوقاتهم مجبرين خارج البيت. فما الذي يجعل بعض الآباء يختارون المقهى بدل المنزل؟ حسب الكثيرين يظل الروتين أهم العوامل،و يضاف إليه صخب الأطفال و جحيم الزوجة و كثرة طلباتها ..كما أن الإدمان على التدخين يدفع بالبعض إلى اختيار المقهى كفضاء مناسب. لكن المعضلة أن هؤلاء الآباء تخلوا عن دورهم المهم في تربية الأبناء و الحضور اليومي في حياتهم و تتبع تحركاتهم و مراقبتهم باستمرار ، وبكل الأشكال في سبيل إيصالهم إلى بر الأمان ليجتازوا محنة المراهقة وويلاتها.. فهل لهؤلاء المرابطون من دور داخل أسرهم ؟ و هل يدرون المصائب التي قد تقع أثناء غيابهم عن البيت ؟ ألا يعي الأب أنه في الوقت الذي يكون فيه جالسا بالمقهى يكون الأطفال بالمنزل بصدد تلقي جرعات تلفزيونية بعضها خطير جدا على حياتهم.هذه الجرعات الأمريكية و المكسيكية و التركية و المصرية ...تترك أثارا سلبية جدا و ترسم خطاها في حياة الأطفال.و هنا يحق لنا أن نطرح سؤالا عريضا:من يربي الأطفال بهذه البيوت آباؤهم أم أبطال المسلسلات المد بلجة ؟ هذه الأخيرة تبث لنا ما لا يحترم هويتنا و غير ذلك مما لا يليق حتى للذكر،إذ لا غرابة أن يجد أب مرابط بالمقهى ابنه في يوم من الأيام يتصرف على طريقة الأفلام الهوليودية لأنه أصبح صناعة مسلسلات غربية و ليس صناعة أبيه الهارب إلى المقهى و المستسلم للوضع بالمنزل ،أو يجد ابنته غارقة في رومانسيات الأفلام الكاذبة وهي تبحث عن فارس الأحلام ، والله اعلم أين يمكن أن تجده..؟ إن الأبناء يحتاجون لمراقبة دائمة و لمصاحبة الوالدين و نصائحهما و توجيهاتهما اليومية.كما ينتظر أيضا من الأب أن يفتح صفحة من الصداقة مع فلذات أكباده يملأ بها استطلاعاتهم و تساؤلاتهم واحتياجاتهم العاطفية..و إلا خرجوا إلى الشارع بحثا عن بديل آخر قد يتحول إلى كارثة في حياتهم . في الماضي كان الأب يراقب بيته من قريب ومن بعيد ،و يعرف التفاصيل المملة عن أبنائه و بناته،و يستفسرهم حتى عن أبسط تأخر خارج البيت ضابطا لمواعيد الدخول و الخروج المدرسي.لكن اليوم تخلى عدد كثير منهم عن دوره في الأسرة و اختار أن يرابط في المقهى معظم وقته بمحض إرادته أو مكرها ،ليصبح زبون مقهى وسط أصناف من الزبناء ،أقلهم حظا المثقفون الذين يفتقرون في مدينتنا إلى فضاء يسع لقصائدهم و ما جد لديهم من كتب و قصص و إبداعات..فما أحوج مديتنا الصغيرة إلى \"مقهى الندوة\"التي من شأنها أن تلتقي فيها الطاقات الأدبية و العلمية و تتلى فيها القصائد و تفتح فيها مواضيع هادفة تملأ فراغ رواد المقاهي\"المرابطون الجدد\"بدل النميمة والخوض في أعراض الناس والتهكم على المارين..