أصبحت المقاهي من بعض معالم خريطة المدن، ففي ولاية الدارالبيضاء تصطف المقاهي على امتداد الشوارع في كل العمالات وتتوزع داخل الأحياء الشعبية بين الدروب والأزقة. هذا الاكتساح للمقاهي جرف معه حوانيت ودكاكين المهن والحرف التي كان أصحابها يعتمدون عليها في معيشتهم كحلاقة الرجال والصباغة والخرازة والخياطة... وإصلاح الدراجات والساعات والنظارات والراديوهات والكتاتيب القرآنية والمكتبات... مما جعل أصحاب الأموال يفضلون الاستثمار في فتح المقاهي.. ولا يفكرون بالمساهمة في المشاريع التنموية لتوفير مناصب شغل للعاطلين. ورغم المقاهي أصبحت فضاءات ترويجية لنسيان متاعب العمل ومشاكل البيت وقضاء الوقت في الحديث عن الكرة والنساء والفضائح والإشاعات. كما أن المقاهي أصبحت عاملا اقتصاديا بالنسبة لصغار الموظفين والعمال والحرفيين فبخمسة دراهم ثمن كأس قهوة يشاهدون مباريات الوداد والرجاء وريال مدريد وبرشلونة ومباريات الدوري الانكليزي والإيطالي ويستمتعون بعالم الحيوانات. ولكن من أخطر ما ترتب عن انتشار المقاهي من الناحية الخلقية، غفلة الناس عن أداء الصلاة وقراءة وسماع القرآن والتحلي بالأخلاق الحميدة... وأصبحت المقاهي بؤرا خبيثة للنميمة واللمز والغمز ونهش الاعراض... والتهكم والسخرية والضحك المميت للقلوب. وأخطر ما ترتب عن انتشار المقاهي من الناحية الاجتماعي إهمال الآباء لأولادهم وبناتهم... فأصبحوا لا يراقبون تصرفاتهم ولا دراستهم ولا يطلعون عن مشاكلهم وأصبح البيت مجرد مكان للأكل والنوم. وهذا هو السر في أن أولادنا وبناتنا وهم في سن المراهقة والتمدرس يدخنون السجائر والمخدرات ويبتلعون الاقراص المهيجة ويشربون الخمور وينقطعون عن الدراسة ويلتحقون بالعصابات الاجرامية. ومن أخطر ما ترتب عن انتشار المقاهي من الناحية السياسية عزوف المواطنين عن الاهتمام بالشأن العام لبلادهم والنفور من الانتماء الحزبي والاشمئزاز من متابعة برامج قنواتهم التلفزية والاستخفاف من حضور الندوات الثقافية والفكرية والسياسية... والانزواء وسط المقاهي مشدوهين ومسحورين بالحملقة في الفضائيات العربية والأجنبية الى درجة انهم أصبحوا لا يشعرون بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا بل إنهم »ضربوها بنكرة« للأعياد الوطنية: ذكرى المسيرة، ذكرى رجوع الساقية الحمراء.. ذكرى 11 يناير.. ذكرى عيد الاستقلال. ومما زاد من خطورة المقاهي: إن أصحابها لا يقتنون الا الجرائد المستقلة المتخصصة في تيئيس الناس من عمل الحكومة وفي الطعن في مؤسسات الدولة كالقضاء والأمن والتعليم والصحة والفلاحة وفي الترويج لنعي موت الأحزاب التقليدية للتبشير بميلاد أحزاب جديدة تكتسح البرلمان والمجالس البلدية والقروية والقطاعات العمالية والحرفية. وتخصص هذه الجرائد ملحقاتها الأسبوعية للدعارة والشذوذ الجنسي والمخدرات والجرائم ونهب المال العام واغتصاب الأطفال... ولم تقرأ يوما ملحقا عن المشاريع التي يدشنها جلالة الملك شهريا في ربوع المملكة ولم نقرأ يوما ملحقا عن المجهودات التي تبذلها الحكومة... وهكذا أصبح الناس في المقاهي يتجرعون الحقد والكراهية والخوف وهم يشربون كؤوس الشاي والقهوة والمونادا والحليب والعصير وأصبحوا معزولين وسط المقاهي عن الحيوية والحركية التي يعرفها مجتمعهم... ومغتربين عن واقع بلادهم... تحترق قلوبهم بكراهية الاغنياء ويفقدون الثقة في القضاة والبوليس والأطباء ورجال التعليم. فلا اعتراض على انتشار المقاهي... والحقيقة أنها أصبحت متنفسا سيكولوجيا، وأصبح عاديا أن تلتقي بصديق فتسأله: »منين جاي« فيجيبك من المقهى. »فين غادي؟« للمقهى. »فين نتلاقو« في المقهى. وإنما الاعتراض على الجلوس في المقهى وننسى ديننا وننسى أولادنا... وننسى أعياد بلادنا... وننسى المجهودات والانجازات التي يحققها الشرفاء من رجال ونساء أمتنا. ثم تعمى عيوننا عن رؤية كل ما هو خير وجميل في بلادنا.