سورة الحج يوافق الحزب الرابع والثلاثون ستة وسبعين آية هي عدد آيات سورة الحج. وسميت سورة الحج تخليداً لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام، حين انتهى من بناء البيت العتيق ونادى الناس لحج بيت الله الحرام، فأجابوا النداء: لبيك اللهم لبيك. وهي سورة مدنية تتناول جوانب التشريع، شأنها شأن سائر السور المدنية التي تُعنى بأمور التشريع، ومع أن السورة مدنية إِلا أنه يغلب عليها جو السور المكية، فموضوع الإِيمان، والتوحيد، والإِنذار والتخويف، وموضوع البعث والجزاء، ومشاهد القيامة وأهوالها، هو البارز في السورة الكريمة، حتى ليكاد يُخيل للقارئ أنها من السور المكية، هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإِذن بالقتال، وأحكام الحج والهَدي، والأمر بالجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدَّها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكي. أمر الله الناس بالتقوى وابتدأت السورة الكريمة بمطلع منذر مخيف، ترتجف له القلوبُ، وتطيش لهوله العقول، ذلكم هو الزلزال العنيف الذي يكون بين يدي الساعة، ويزيد في الهول على خيال الإِنسان، لأنه لا يدك الدور والقصور فحسب، بل يصل هولُه إلى المرضعات الذاهلات عن أطفالهن، والحوامل المسقطات حملهن، والناس الذين يترنحون كأنهم سكارى من الخمر، وما بهم شيء من السكر والشراب، ولكنه الموقف المرهوب، الذي تتزلزل له القلوب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4). ومن أهوال الساعة إلى أدلة البعث والنشور، تنتقل السورة لتقيم الأدلة والبراهين على البعث بعد الفناء، ثم الانتقال إلى دار الجزاء، لينال الإِنسان جزاءه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وتحدثت السورة عن بعض مشاهد القيامة، حيث يكون الأبرار في دار النعيم، والفجار في دار الجحيم. ثم انتقلت للحديث عن الحكمة من الإِذن بقتال الكفار، وتناولت الحديث عن القرى المدمرة بسبب ظلمها وطغيانها، وذلك لبيان سنة الله في الدعوات، وتطمينا للمسلمين بالعاقبة التي تنتظر الصابرين. وفي ختام السورة ضرب الله مثلاً لعبادة المشركين للأصنام، وبيَّن أن هذه المعبودات أعجز وأحقر من أن تخلق ذبابة فضلاً عن أن تخلق إنساناً سميعاً بصيراً، ودعت إلى اتباع ملة الخليل إبراهيم كهف الإِيمان، وركن التوحيد. سورة المؤمنون من السور المكية التي تعالج أصول الدين من التوحيد والرسالة، والبعث سورة المؤمنون، وسميت بهذا الاسم الجليل المؤمنون تخليداً لهم وإِشادةً بمآثرهم وفضائلهم الكريمة التي استحقوا بها ميراث الفردوس الأعلى في جنات النعيم. وتشكل بداية السورة بداية الحزب الخامس والثلاثون. وعرضت السورة الكريمة لدلائل القدرة والوحدانية مصورة في هذا الكون العجيب، في الإِنسان، والحيوان، والنبات، ثم في خلق السماوات البديعة ذات الطرائق، وفي الآيات الكونية المنبثة فيما يشاهده الناس في العالم المنظور من أنواع النخيل والأعناب، والزيتون والرمان، والفواكه والثمار، والسفن الكبيرة التي تمخر عباب البحار، وغير ذلك من الآيات الكونية الدالة على وجود الله جل وعلا. وقد عرضت السورة لقصص بعض الأنبياء تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمّا يلقاه من أذى المشركين، فذكرت قصة نوح، ثم قصة هود، ثم قصة موسى، ثم قصة مريم البتول وولدها عيسى، ثم عرضت لكفار مكة وعنادهم ومكابرتهم للحق بعدما سطع سطوع الشمس في رابعة النهار، وأقامت الحجج والبراهين على البعث والنشور، وهو المحور الذي تدور عليه السورة، وأهم ما يجادل فيه المبطلون، فقصمت ببيانها الساطع ظهر الباطل. وتحدثت السورة عن الأهوال والشدائد التي يلقاها الكفار وقت الاحتضار وهم في سكرات الموت، وقد تمنوا العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات فقد انتهى الأجل، وضاع الأمل. وختمت السورة بالحديث عن يوم القيامة حيث ينقسم الناس إلى فريقين: سعداء، وأشقياء، وينقطع الحسب والنسب فلا ينفع إِلا الإيمان والعمل الصالح، وسجلت المحاورة بين الملك الجبار وبين أهل النار وهم يصطرخون فيها فلا يغاثون ولا يجابون!!.