شجبت السعودية اتفاق التعاون العسكري الهندي الإسرائيلي الذي يسعى إلى تعزيز القدرات العسكرية الهندية، وأكدت أنه يهدد الاستقرار في منطقة تعاني من الاضطراب. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال زيارة رسمية لباكستان برفقة ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز الأحد الماضي، ما نعرفه عن هذا التعاون هو أنه لا يهدف إلى راحة هذه المنطقة، بل يسعى إلى إشعالها وزيادة مخاطر سباق التسلح فيها. وانتقد الوزير السعودي أيضا جهود إسرائيل الأخيرة لتعزيز أمنها. وقال إنها دولة يسكنها نحو أربعة ملايين نسمة، غير أنها تعتقد أن أمنها يمتد من نهر هندوس إلى الأطلسي. وأضاف هذا مصدر قلق، عنصر جديد لزعزعة الاستقرار، ويجدر بالدول الآسيوية أن تأخذ الأمر بالاعتبار. وأعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف خلال مأدبة أقامها على شرف ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز أن التعاون الهندي الإسرائيلي يطرح تحديا جديدا على العالم العربي وعلى جنوب آسيا. وترى باكستان أن الهند ستتفوق عليها بشرائها أنظمة رادار إسرائيلية مما يضطرها إلى شراء تجهيزات مقابلة. ووقعت الهند وإسرائيل وروسيا اتفاقا في العاشر من أكتوبر الجاري تقوم إسرائيل بموجبه ببيع ثلاثة أنظمة إنذار مبكر محمولة جوا من طراز فالكون للهند، وذلك بعد شهر من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لنيودلهي. وبموجب هذه الصفقة، تشتري إسرائيل من أوزبكستان طائرات شحن من طراز إليوشن 76 ترسل إلى روسيا لتحديثها وتجهيزها بمحركات من نوع جديد. وبعد تعديلها، ستذهب هذه الطائرات إلى إسرائيل التي ستجهزها بنظام رادار من طراز فالكون قبل تسليمها إلى الهند. وحسب التحليلات المهتمة بالشأن الهندي فإن المثلث الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي الهندي يرمي إلى مواجهة الخطر الإسلامي والصين. فالهند، حسب المحللين، يمكن أن تصبح قوة صاعدة في آسيا، إذ تملك وزناً ديموغرافياً يعادل وزن الصين، رغم أنها ما تزال متأخرة عنها اقتصاديا، حيث إنها لم تخرج من حالة الجمود إلا منذ عشر سنوات فقط ونسبة الزيادة في نموها الإقتصادي ما تزال أقل من الصين، وهي أقل قوة منها أيضا على الصعيد العسكري. كذلك لم تكن حركة التصنيع في الهند قسرية كما كان الحال في الصين. وبناء على هذا كله، يرى المتتبعون، أن الهند، مع شساعتها، ستكون بلدا واعدا بالنسبة للغرب، وعلى الرغم من المصاعب التي ما تزال الهند تواجهها، فإنها ستكون بلادا ذات أهمية متزايدة في عملية الإعادة الجارية لخريطة العالم من جديد حسب الرؤية التي تنص عليها عقيدة جورج بوش. فعلى المستوى الجغرافي السياسي، تقع الهند على الخاصرة الجنوبية للصين، وبالتالي لها مصلحة في مراقبتها والحرص على أن لا تقوم بأية تجاوزات، والتي تنحصر في وضع يدها على الطرق البحرية الرئيسية للتجارة مع البلدان الآسيوية الأخرى. وعلى هذا الصعيد من الواضح أن هناك تقاربا في المصالح بين الهند وبين الغرب، ومن مصلحة الهند أيضا أن تقيم تحالفات كذلك مع الجارة روسيا في مواجهة أية نزاعات مع باكستان أو بنغلاديش أو ما يعبر عنه ب الخطر الإسلامي. وترى مخابر التحليل الأمريكية أن باكستان وإن بدت أنها حليفة للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص في ظل قيادة برويز مشرف، لكنها حليف مبهم وغير مستقر ومقلق ويحمل الكثير من المخاطر في المستقبل، حسب هؤلاء، ولهذا تقرر المراكز البحثية أنه من مصلحة الهند في هذه الظروف التقرب من الولاياتالمتحدة وإظهار أنها حليف أكثر استقرارا من باكستان.لكن من الواضح أن الولاياتالمتحدة لا تستطيع الابتعاد عن باكستان، والتوقف عن دعم الجنرال مشرف، فالأمر كما صوره أحد المراقبين الأمريكان توازن صعب، ولكنه ضروري، باعتبار أن وقوع باكستان تحت سلطة الضباط الإسلاميين سيكون بمثابة خطر يتجاوز كثيرا حدود باكستان بالنسبة للغرب ولاستراتيجية جورج بوش الإبن. وفي إطار عملية إعادة تركيب العالم القائمة، فإن مختلف التوترات تتركز باتجاه آسيا... والهند وفق العقيدة البوشية ذات أهمية كبيرة بل ولا يمكن الاستغناء عنها من أجل القيام برقابة صارمة على باكستان. كما أن هدف الولاياتالمتحدة بالتأكيد هو أن لا تكون الصين هي القوة المسيطرة في آسيا، وحتى يتحقق لها هذا المراد، فإنه سيكون على الولاياتالمتحدة أن تلعب بجميع الأوراق الممكنة في أفق تحالفات متعددة ومعقدة، والهند هي ورقة حاسمة في هذا السياق، وقد تم تأسيس مجموعة أمريكية هندية للنضال ضد الإرهاب. وبالمقابل، فإن كل ما يضعف الهند والغرب يعزز بالمقابل الثورة الصينية في إطار المواجهة التي ترتسم في الأفق، أما الأوروبيون، فإنهم يراقبون هذا كله من بعيد، بل إن البعض منهم يفضل آسيا صينية على آسيا أمريكية استنادا لعدم رغبتهم في قيام نظام دولي جديد تقوده واشنطن مما يمنعهم من استكمال حلم لعب دورا حيويا أيضا على الساحة الدولية. فأمريكا بحاجة إلى الهند لدعم حربها ضد الإرهاب، والهند بحاجة للولايات المتحدة أيضا للدفاع عن نفسها وللخروج من جميع مآزقها. ولم تكن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة والهند متوافقة لفترة طويلة، لكن الأمور بدأت تتغير منذ سقوط الاتحاد السوفياتي والصعود القوي للصين، وتغير الأمر تماما مع 11شتنبر .2001 وتطلب الهند من الولاياتالمتحدة تزويدها بتقنيات متقدمة لا يملكها غيرها، وقد يكون من المنطقي في نظر واشنطن تزويدها بها، سيما وأن الصين كانت قد حصلت على مثل هذه الأجهزة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. ومن جانب آخر، يجري الحديث في نيودلهي عن إنشاء مثلث استراتيجي أمريكي اسرائيلي هندي. لكن النقاش الهندي في قضية العراق هو النموذج الأخير لمحدودية وقصور هذا المحور، وهو ينضم إلى التحفظات الهندية على المساعدة الأمريكيةللباكستان وعلاقة فاجبائي المناصرة لإيران. مع ذلك، من غير المحتمل أن تقلل هذه الأمور من احتمال تشكيل هذا المحور. وزيارة شارون الأخيرة إلى الهند تسببت في انقلاب جذري في السياسة الخارجية الهندية. بعد عشرات السنين من النكران الظاهري خرجت نيودلهي من التابوت وطرحت أولوية علاقاتها مع إسرائيل. قضية العراق هي فصل سياسي تكتيكي عابر في الهند. والأمريكيون يدركون ذلك. الخلافات مع إسرائيل حول القضية الفلسطينية ليست إلا ضريبة كلامية للسياسة العربية الهندية التقليدية. إعداد ع. الهرتازي