أثناء تأسيس جطو لحكومته أبرم تحالفات بين أحزاب من شأنها أن تمكنه من غطاء برلماني، وقد تبين في مناقشة التصريح الحكومي أن الأحزاب السياسيةعموما لم تعتمد المنطق التقليدي المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، حيث الأغلبية واضحة ومعروفة، وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة. لقد أثرت طبيعة الوزير الأول التقنوقراطية على مواقف الأحزاب السياسية، بحيث كان من الصعب التفريق بينها أثناء مناقشة التصريح الحكومي، كما سلف ،والتمييز بين أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية التي تحددت أساسا بالمشاركة في الحكومة، بحيث وجد فيها من لم تبد مساندة مطلقة لحكومة إدريس جطو وتكلمت عن مساندة مشروطة أو نقدية، ونفس الخطاب كان لدى أحزاب المعارضة بحيث لم تنهج المعارضة المطلقة، بمعنى آخر لم تكن هناك حدود فاصلة في البرلمان بين المعارضة والأغلبية. وفي الحقيقة عندما نتحدث عن البرلمان في المغرب ينبغي أن نستحضر حقيقة أساسية وهو أننا لانتحدث عن غرفتين ولكن عن برلمانيين وإذا أردنا تقييم أداء مجلس النواب على مستوى التشريعي سنلاحظ أن وجود الغرفة الأولى والثانية قد عرقل المسطرة التشريعية ،لأن البرلمان بغرفتيه كان عمليا في حاجة لوقت طويل لأن مشورع أو مقترح القانون يعرض على الغرفة الأولى ثم الثانية ثم يظطر أن يعود أحيانا ليناقش في الغرفة الأولى وهكذا، فوجود غرفتين تتمتعان تقريبا بنفس الصلاحيات والاختصاصات على مستوى المسطرة التشريعية عرقل الأداء التشريعي. ونفس الأمرعلى مستوى مراقبة العمل الحكومي (في شكل الأسئلة الكتابية والشفوية بالإضافة لآليات أخرى) إلا أن أداءه تأثر نسبيا باختلاف الأغلبيات، لأن الأغلبية داخل مجلس النواب التي اعتمدها إدريس جطو لم تكن هي نفس الأغلبية بمجلس المستشارين، وبالتالي كانت هناك حسابات مختلفة، ورغم أنه كان من المفروض أن تتغير طبيعة أداء كل غرفة على مستوى مراقبة العمل الحكومي، لوحظ نوع من التكرار في الأسئلة، نظرا لغياب حدود واضحة بين المعارضة والأغلبية في البرلمان بين غرفتيه. من جهة أخرى، فإنه أصبح من الصعب بعد الانتخابات الجماعية وانتخابات تجديد ثلث الغرفة الثانية الحديث عن الأغلبية، على الأقل بالمفهوم الذي طرحه ادريس جطو من قبل، فهناك تحالفات جديدة، لا أقول بأنها غير طبيعية لأنه بالنسبة إلى حكومة ادرس جطو نفسها بنيت على تحالف غير طبيعي. إن نتائج مابعد 12 شتنبر و6 أكتوبر تدفع لأحد أمرين إذا كنا نؤمن بمايسمى بالمسلسل الديموقراطي، فإما أن يضطر إدريس جطو إلى إعادة النظر في تحالفاته بمعنى أنه مضطر لإعادة النظر في تركيبة حكومته بأن يبقي على النواة الصلبة لحكومته من الأحزاب التي تسايره، وإخراج بعض الأحزاب التي أعلنت عدم مسايرتها للتوجهات العامة وتدعو إلى إعادة النظر في الحكومة بطريقة غير صريحة ، وذلك حتى يكون منسجما مع نفسه، وإما أن ننتقل إلى مرحلة جديدة قد لايطال التعديل بعض الأحزاب ولكن يمس البنية الكاملة للحكومة الحالية. على اعتبار أن المغرب يعيش على إيقاع متغيرين أساسيين، ويتمثل الأول في أحداث 16 ماي و الثاني في التطورات الأخيرة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، نحن إذا أمام متغيرين أساسيين يقطعان مع الرهانات والظروف التي حكمت تشكيل حكومة إدريس جطو وأغلبيته. إعداد: محمد عيادي